« الصادق (ع) .. تعاليمهُ ومواقفُه فيصلُ صدقٍ بينَ الحقِّ والباطلِ »


« الصادق (ع) .. تعاليمهُ ومواقفُه فيصلُ صدقٍ بينَ الحقِّ والباطلِ »

نشأ الإمام جعفر بن محمد في بيت طاهر مع أبيه وإلى جانب جدِّه زين العابدين عليهم السلام، وتلقى فيه أصول الصِّدق والإيمان، وقد لقب فيما بعد  بـ  « الصادق » أي الذي يقول الحق والصِّدق دائمًا وصار يُعرف بـ  « جعفر الصادق » .

كانت حياته الشريفة حافلة بالأحداث الجسام، في فترة حساسة من التاريخ الإسلامي، فترة من أصعب وأدق الفترات التاريخية، فقد عاصر أحداث شكلت منعطفًا هامًا في مسيرة الحياة الإسلامية، وكان موقفه دقيقًا تجاهها، طبعه عليه السلام بطابعه الشريف، أقبل على العبادة والخضوع وآثر العزلة والخشوع وسائرًا على طريق إحياء العلوم حتى سمي بحق « عصر الإمام الصادق » كان عصرًا اختلطت فيه المفاهيم، وتضاربت الآراء والمذاهب، يأخد بعضها - على كثرتها - برقاب بعض، واحتاج الأمر إلى فيصل صدق يميز خبيثها من طيبها، فكان الإمام الصادق عليه السلام خير فيصل لهذا الأمر.

تابع الإمام الصادق دروسه في كل محيط، وكثر عددُ تلاميذه الذين كانوا ينتشرون في كل اتجاه، وينشرون تعاليمه بين الناس، وقد توزَّعُوا إلى فئات متعددة، تقوم كل منها بنشاط معين، فمنهم من كان يجلس في المساجد ويُعلِّم الناس أحكام الفقه، ومسائل الأصول، وأحكام الحلال والحرام، وبعضهم كان يُعلِّم التفسير، ويقوم بالرَّدِّ على ما يطرحه الناس من أسئلة أو إشكالات، والبعض الآخر يتصدّى للمنحرفين وما ينشرونه من مفاهيم خاطئة، وآخرون يُطلعون الناس على حقائق الكون ومعرفة الخالق سبحانه، وأُمور الخير والشَّر، والتوحيد والمعاد، والإمامة والقيادة، وكان دُعاةُ الإمام يتجوَّلون بصفة تجار تضليلا لجواسيس النظام . 

تصدّى الإمام عليه السلام بنفسه لكل الانحرافات والمفاهيم المغلوطة، وعقد لهذا الأمر مجالس ومناظرات كثيرة، فناظر فريقًا من العلماء والمتكلِّمين، كما ناظر الزنادقة والملحدين، بأسلوب هادىء رصين، مدعوم بالحجج والبراهين، التي لم تدع لمناظريه مخرجًا إلا التسليم بصواب رأيه .

استطاع تلاميذ الإمام الصادق عليه السلام أن يجمعوا ما يقربُ من أربعمائة كتابٍ،  كبير وصغير، ضمَّنوها أقوال الإمام بعد أن سَمِعوها منه،  وحَفِظوها في تلك الكتب الأربعمائة ، واستخلصوا  منها أربعة كتب، هي الكتب الأربعة الشهيرة، التي تشمل أكثر الروايات في الفقه والأحكام عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، بالإضافة إلى كتب غيرها في علم طبقات الأرض، وعلوم النبات والكيمياء والجغرافيا، وعلوم أخرى، وقد تمّ جمعها بواسطة تلاميذ الإمام الصادق عليه السلام، ولا يزال قسمٌ منها باقيًا حتى اليوم .

وهكذا نجد أن الأثر الذي تركه الإمام جعفر الصادق على النواحي الفكرية أهم وأعظم من أثره على النواحي السياسية . يذكر ابن خلكان " أن الصادق من سادات أهل البيت ولقب بالصادق لصدقه في مقالته وفضله أشهر من أن يذكر وله كلام في صنعة الكيمياء والزجر والفأل، وقد تتلمذ عليه أبو موسى جابر بن حيان الكوفي، وقد ألف كتابًا يشمل على ألف ورقة تتضمن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة " [ ابن خلكان : وفيات الأعيان ج١ ص ٢٩١ ] .


-- قضايا مهمة وحقائق خطيرة يطرحها الإمام الصادق عليه السلام في وصيته لأحد خواص أصحابه « عبدالله بن جندب البجلي الكوفي » نقتطف متها المقاطع التالية:

يابن جندب: حق على كل مسلم أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه، فإن رأى حسنة استزاد منها، وإن رأى سيئة استغفر منها لئلًا يخزى يوم القيامة، طوبى لعبد طلب الآخرة وسعى لها، طوبى لمن لم تلهه الأماني الكاذبة. 

ثم قال عليه السلام رحم الله قومًا كانوا سراجًا ومنارًا ، كانوا دعاة إلينا بأعمالهم ومجهود طاقتهم، ليس كمن يذيع أسرارنا.

يا ابن جندب: إنما المؤمنون الذي يخافون الله ويشفقون أن يسلبوا ما أعطوا من الهدى، فإذا ذكروا الله ونعماءه وجلوا وأشفقوا، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا مما أظهره من نفاذ قدرته، وعلى ربهم يتوكلون.

يا ابن جندب: أقل النوم بالليل والكلام بالنهار، فما في الجسد شيء أقل شكرًا من العين واللسان، فإن أم  سليمان قالت لسليمان عليه السلام: يا بني إياك والنوم فإنه يفقرك يوم تحتاج الناس إلى أعمالهم.

-- أعظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب سيدنا ومولانا الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام .كانت وفاته عليه السلام سنة (١٤٨) للهجرة، ودفن بالبقيع إلى جانب أبيه وجدِّه، وجدَّتهِ الزهراء، وعمِّه الحسن صلوات الله عليهم أجمعين، في مثل هذه الليلة يتجدد الحزن بمصاب سيدنا ومولانا أبي عبدالله الإمام الصادق عليه السلام .

-- نعزي إمامنا وقائدنا المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف والمراجع العظام والعالم الإسلامي أجمع وبالخصوص الموالين بهذه المناسبة الأليمة .

               ~مأجورين مثابين ~ 

___

--  لا تزال تعاليمه ومواقفه عليه السلام إلى اليوم فيصل صدق بين الحق والباطل، لا تزال كلماته وحكمه منارًا يهدي إلى سواء السبيل .


نشارككم الأحزان والمواساة/ منصور الصلبوخ .

تعليقات