((هل هناك من يمارس التغيير الصامت الخفي))

 


((هل هناك من  يمارس التغيير الصامت الخفي))

لقد استقطب فكري هذا القول الملهم، للكاتب الأمريكي مارك توين " إذا وجدت نفسك مع الأغلبية فقد آن الأوان للتغيير ".

 نرى جميعًا أمورًا في أنفسنا, وفي علاقاتنا, وفي حياتنا نرغب في تغييرها. غالبًا ما تدفعنا هذه الرغبة إلى اتخاذ خطوات نحو عمل داخلي نحتاجه, أو نحو هدف خارجي. أحيانًا, ودون أي إعلان مهم أو تغيير جذري, نستيقظ لنجد أن التغيير قد حدث, وكأنه قد حدث دون تدخلنا أو إرادتنا. قد يبدو هذا بمثابة معجزة, إذ نكتشف فجأة أن ثقتنا بأنفسنا قد زادت و لا تزال ثابتة. قد نتساءل حتى عما إذا كان لجهدنا الكبير علاقة بذلك, أم أنه حدث بفضل الله.

 بصفتنا بشرًا, أحيانًا تكون فترات انتباهنا قصيرة نسبيًا, وقد نفقد إحساسنا بالوقت بسهولة. ولعلنا نقلق بشأن مجموعة كتب, قد تم حفظها في المكتبة دون قراءتها أو الإطلاع عليها على الرغم من اهتمامنا الدائم بالقراءة, وحين نقرأ بعض منها لعدة أيام نجد أنفسنا نستمتع بأفكارنا والتي قد تغيرت ونتساءل متى حدث ذلك وكيف لم نلاحظه. أما تهذيب الفكر, من ناحية أخرى, فله صبر لا حدود له, ويرافق مداركنا مدى الحياة. هذا لا يعني أن جهودنا لا تلعب دورًا في معجزة التغيير بل تلعب دورًا لافتا . إنها مجرد جزء صغير من الصورة التي تؤدي في النهاية إلى تشذيب الفكر وتطوير الذاكرة, أو تحويل علاقة ما , أو تهذيب عقولنا و قلوبنا.

 القوانين الذاتية نفسها هي التي تحكم نمو أفكارنا, وتُشرف على تغييراتنا الداخلية والخارجية. نلاحظ، ونتأمل, ونعمل, ونتساءل,ونتفاءل ونتمتع في حياتنا, ونغرس المبادئ, ونعمل  بها. أحيانًا يكون الجزء الصعب هو معرفة متى نتوقف ونتركها, ونسلمها للكون. عادةً ما يحدث هذا عن طريق التشتيت أو التشويش أوحتى  التشويه . ينصرف انتباهنا إلى أمور أكثر إلحاحًا. وغالبًا ما تحدث معجزة التغيير في هذه الأوقات, عندما لا نكون منتبهين, في صمت أحضان السماء التي تبارك خطواتنا رغم حماسنا وقلقنا.

 أحيانًا، قد تُثير تلك المشاعر من  القلق والحماس نفس الاستجابة الجسدية في عقولنا.

عندما تظهر تحديات وفرص تغيير جديدة في حياتنا, قد نُشخّص أنفسنا بالقلق  بينما ما نشعر به في الواقع هو الحماس. غالبًا ما لم نُعلّم كيف نُرحّب بإثارة فرصة التغيير الخفي, فنختار التراجع, مُستسلمين لقلقنا بدلًا من استجماع شجاعتنا. إحدى طرق إلهام أنفسنا,  لإغتنام الفرص التي تُتاح لنا هي التمعن في مشاعرنا, واكتشاف أن الشعور بالتوتر أو خفقان القلب ليس بالضرورة علامة على ترددنا وقلقنا. يمكن ترجمة هذه المشاعر نفسها إلى حماس، وفضول، وشغف، وحتى رغبة جادة وإصرار.

لا خلل ولا خطأ وحتى لا ضير في التغيير طالما لم ندعه يمنعنا من القيام بما يثير حماسنا. يفترض معظمنا أن لا يهابون شيئًا, لكن الحقيقة أنهم ببساطة يشعرون براحة أكبر مع التغيير لأنهم يواجهونه بحماس. كلما فعلنا ذلك، شعرنا بالحماس في مواجهة التحديات في التغيير بدلًا من التردد. كلما نمّينا قدرتنا على المضي قدمًا بدلًا من التراجع، زادت ثقتنا بأنفسنا في قدرتنا على استغلال فرص التغيير الجديدة في حياتنا، سواء كانت وظيفة جديدة, أو انتقالًا مثيرًا, أو صداقة  أو حتى لقرار شخصي جرئ. عندما نشعر بالخوف, يمكننا تذكير أنفسنا بأننا ربما نكون في الواقع متحمسين فحسب. يمكننا أن نطمئن أنفسنا بأن هذه الفرصة قد أتت إلينا لأننا نلح ونعزم على اغتنامها.

 إن تغيير نظرتنا للتغيير قليلاً قد يُغيّر حالتنا النفسية جذرياً من حالة مقاومة إلى حالة انفتاح. يمكننا ممارسة هذه الطريقة الجديدة في النظر للأمور بقولنا بصوت عالٍ: أنا متحمس جداً لهذا النوع من التغيير.ولا أخفي بأنني أتطلع بشدة للقاء بصديقة عزيزة على قلبي. أنا متحمسة لفرصة القيام بشيء لم أفعله من قبل. وبينما يحدث ذلك,  سأشعر بأن طاقتي تتحول من القلق الذي يُشلّني إلى الحماس الذي يُمكّنني من توجيه كل تلك الطاقة نحو المضي قدماً.

ِلنتذكر أن تغييرنا من صنع أنفسنا. حتى عندما يبدو لنا أنه لا سبيل أمامنا، هناك حلٌّ في انتظارنا. العقبات الوحيدة التي لا يمكن تجاوزها هي تلك التي نصنعها في عقولنا و لا تستطيع السيطرة علينا إلا إذا سمحنا لها بذلك.  سيظل عدم اليقين جزءًا من حياتنا, لكن المثابرة واليقظة لن تفشلا أبدًا في إرشادنا إلى الجانب الآخر من فكرة التغيير أي كان نوعه حيث تزدهر من خلاله  السعادة.

 غالية محروس المحروس.

تعليقات