#خاطرة_الجمعة « الإمام علي (ع) .. والقواسم المشتركة بين البشر »
في المنظور الفلسفي والعقائدي، إن الناس ثلاث فئات: فئة تعيش في الحياة كالنبات تمامًا .. يولد الواحد منهم، ويأكل ويشرب، ويتنفس وينمو، ويتزوج ويتناسل ويمرض ويشيخ، ثم يموت .. وعدد هؤلاء الناس كبير جدًا للأسف الشديد، إنهم يعيشون في عالم موهوم من السعادة، نسجته أفكارهم الضيقة وعقولهم الجاهلة ونفوسهم المظلمة، إنهم يعيشون في الحياة بعيون لا ترى، وبأذهان لا تفكر، وفي حلقة من الجهالة مفرغة لا يشعرون فيها إلا بأنفسهم ، وما داموا هم « مبسوطين » ، فماذا يهمهم من أمور غيرهم، حتى لو كان هؤلاء الغير أقرب الناس إليهم، هم يتوهمون بأنهم سعداء .. والمؤسف أن هؤلاء الناس لا يعملون على تطوير مجتمعهم إلى ما هو حسن، بل يقفون عثرة أمام جهود الذين يعملون في هذا السبيل. أما الفئة الثانية - وهي وافرة العدد أيضًا - هم الشطار الذين يستغلون حماقة أصحابنا من الفئة الأولى، ليرتفعوا على حسابهم وهم يوهمونهم بأنهم يعملون لصالحهم وصالح مجتمعهم، إنه الشخص الذي ينظر إلى الحياة على أنها غاية الفوز فيها للأكثر مكرًا ودهاءً، إنه الشخص الذي يسأل نفسه دائمًا: ماذا يمكن أن آخذ من الحياة؟! أن آخذ من الناس؟! ولكنه لا يفكر ابدًا في أن يسأل نفسه: « ماذا يمكن أن أقدم للحياة؟ أن أقدم للناس؟! » ولهذا فإنه ينظر إلى كل إنسان، وهو يسأل نفسه: « ما قيمة هذا المخلوق بالنسبة لي، ماهي الفائدة التي يمكن أن أظفر بها منه ..؟ إن هذه الفئة لا تسعد ولا يهنأ لها طعام ولا يهدأ لها بال إلا إذا توصل إلى بغيته على حساب الآخرين، إن أمثال هذه الفئة هم الذين جعلوا العلاقات الشخصية والاجتماعية والروابط الإنسانية في هذا العالم المادي تنبع من النجاح في الغش والخداع، وليس من التعاون والإخاء والمحبة والتمسك بالقيم الروحية والأخلاقية. وقد أدت هذه النظرة الخاطئة إلى انتشار روح الأنانية والحقد والكراهية وما أشبه بين أفراد المجتمع الواحد .. وإلى الخداع والمكر وسيطرة الأهواء، والوقوف ضد كل القيم الروحية، والاستهانة بجميع القيم الإنسانية بوجه عام .. هذه الفئة هي السبب في هذه الموجة الهائلة من الأحقاد والضغائن التي انتشرت بين الناس .. بدلًا من المحبة والتسامح والتعاطف والتراحم. فماذا كانت النتيجة ؟! وماذا بقي من قيم ؟! الانزواء والنأي بالنفس والتفرج على المآسي وتوجيه سهام النقد والتجربح .. إنهم ضيعوا عمرهم في صراع ومعارك جعلت القيم والمبادىء الإنسانية تفلت من بين أصابعهم.
لندع تلك الفئة في أوهامها الفلسفية المادية ونمضي إلى الفئة الثالثة - الأقلية - المرتبطة بالله تبارك وتعالى .. إلى الإنسان الذي يعرف ما هو هدفه في هذه الحياة، هو الذي ينظر إلى الحياة نظرة الشخص المفعم بالقيم والمثل الدينية والإنسانية .. هو الشخص الذي يعمل في خدمة الناس ونفعهم والتعايش معهم وتفهم احتياجاتهم .. هو الشخص المرهف الإحساس المتذوق للجمال، المفكر دائمًا فيما يعود على غيره بالفائدة، إنه الإنسان الطيب الذي لا يهمه كثيرًا أن يأخذ من الحياة بقدر ما يهمه أن يعطيها، إنه دائمًا يتساءل: ماذا يمكن أن أقدم لمجتمعي وبلدي ولإخواني في الدّين والبشرية؟ إنك تراه في كل واحد من هذه الفئة التي تعتصر نفسها لتقدم كل القيم الروحية والأخلاقية لإسعاد إخوانه في الإنسانية .. وليس العدوانية والكراهية والحقد والحسد الممقوت .. يستطيع الإنسان أن يكون وثيق الصلة بجتمعه، ويعيش في استقامة تعامل وعلاقات أمان وسلام ومحبة مع الآخرين، هم إخوانه في الإنسانية، ولكن بالعلم والثقافة التي توسع آفاق الفكر الإنساني، وتملأ القلب بالمحبة والتسامح، وتجلو عن النفس الحقد والبغضاء، وتوطد بين بني البشر أواصر القيم الأخلاقية والروحية. فبهذا الفكر يستطيع الإنسان أن يضع قدميه على أول الطريق نحو السعادة الحقة . وللإمام علي عليه السلام كلمة جميلة ورائعة تعبر عن هذه الجزئية، يقول فيها: « الناس صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق» إن الدنيا خلقت من أجل الإنسان ولا قيمة لها إذا لم تحترم فيها إنسانيته وكرامته، وهو تأسيس قواعد التعايش، فالقواسم المشتركة بين البشر قائمة على « أخوة الدين » أو « التناظر الخلقي » . هذا مبدأ عظيم يقدمه الإمام علي عليه السلام للبشرية، المنظار الذي يرى الإنسان من خلاله الحياة وأحداثها، لتكون هدىً يضيء له طريق الخير ، أفليس اشتراكه معك في الدين أو الخلق، يفرض عليك أن تحترمه؟ وكما للإمام موسى بن جعفر عليه السلام هذه الحقيقة يقول فيها: « .. إنه عبد من عبيد الله، وأخ في كتاب الله ، وجار في بلاد الله ، يجمعنا إيّاه خير الآباء آدم، وأفضل الأديان الإسلام .. » . فكن من الفئة التي تعمل وتقدم وتعطي مجتمعها وبلدها والإنسانية بوجه عام .. نعم رجال زرعوا قيم الحب والبهجة والأمل والتفاؤل والاستبشار .. لتكبر وتنمو وتخضرّ ، فتغدق للمجتمع الإنساني ثمارًا طيبة .
-- اقترب رمضان بخطواته السريعة نحو نهاية أيامه المؤنسة ومشواره الروحي، واقتربنا من مقولة: " اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا " هذه آخر جمعة مباركة في رمضان، عشنا أيامه ولياليه في أجواء روحانية، سنشعر بالحسرة لفراقه، فهو ربيع المؤمنين، وأنسهم المعنوي، وعشقهم الروحي، وصفائهم النفسي، ونقائهم القلبي. أدعو الله سبحانه وتعالى أن يتقبل بعفوه ورحمته صومنا وقيامنا، وأن يشافي مرضانا ومرضى المؤمنين والمؤمنات، ويرحم موتانا وموتى المؤمنين والمؤمنات بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين . والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد .
----------
-- هناك فئة من الناس جعل الله في أفئدتهم كمًا كبيرًا من الرحمة والشفقة بحيث لا تراهم في أوج سعادتهم ولا تراهم تملأ الابتسامة وجوههم إلا عندما يقضون للناس المحتاجين حاجاتهم على أي شكل كانت قال صلى الله عليه وآله: « من فرَّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة » .
محبكم/ منصور الصلبوخ .
تعليقات
إرسال تعليق