#خاطرة_ الجمعة « حقوق وواجبات »

 


#خاطرة_ الجمعة « حقوق وواجبات » 

الحياة قائمة على أساس التعاون والثقة، والتفاني والعطاء وتبادل المنافع .. وأولى الناس بالمنفعة من قبل الإنسان، أهله وأصدقائه.

-- شعرت بعدم الارتياح وأنا أكتب هذه الخاطرة التي بالتأكيد ليست حديثًا عن الكل، فالكثير ممن نعرفهم في مجتمعنا هم أناس طيبون أصحاب قلوب رحيمة الذين يطيرون فرحًا وسعادة عندما يساعدون الناس على قضاء حاجاتهم، لكن ليس كل أفراد المجتمع لهم نفس الشعور، فهناك صنف من الناس لهم مواقف وتصرّفات نابعة من روح اللامبالاة، ونعني بذلك أولئك الذين يأخذون دون أن يلتفتوا إلى ما عليهم من حقوق وواجبات، يقترفون محرمات بالمماطلة أو التثاقل في أداء حقوق الآخرين ، ولهذا فإن الاسلام يحذرنا من مغبة الوقوع في شرك هذا الصنف من الناس . 

-- ما يؤذينا فعلًا - للأسف - إن البعض لا يراعي حقوق عباد الله، أنهم يتجاهلون ويتناسون ما عليهم من واجبات، هم يستعملون الخداع، بدلًا من الحقيقة ليحصلوا على المال، فهم بذلك يقتلون الثقة وبذور الخير، ويسدون أبواب المعروف بين الأخوة ؛ لأن التسويف والمماطلة من المعيقات التي تكسر الثقة، وحين تنكسر الثقة بين الأخوة لا يمكن إعادتها، والنتيجة هو الابتعاد عن عمل الخير . 

 -- طالعت عدة قضايا اجتماعية تحاكي ذلك الجانب، لا أريد هنا أن أخلط بين العطاء، وبين الطلب ( الاقتراض) ، فصاحب العطاء يحاول أن يأتي عمله في أحسن ما يكون، كونه في سبيل الله، يعني يعطي من دون تردد أو انتظار مقابل، بينما صاحب الطلب يحاول أن يأتي عمله بمقدار قدرته، يأتيه لمن يحترمهم سواء كان قريب أو صديق، وما يحصل عليه صاحب الحاجة يجب أداؤه، فمن لم يؤد الحق الذي عليه، فهو لم يؤد حق الله، فحقوق الناس جزء لا يتجزأ من حقوق الله كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: « جعل الله سبحانه حقوق عباده مقدمة لحقوقه فمن قام بحقوق عباد الله كان ذلك مؤديًا إلى القيام بحقوق الله» غرر الحكم - رقم ٦٤ .

-- يحدث ذلك أحيانًا عندما يأتيك قريب أو صديق ويقول لك: صدقني انني في أزمة مالية ويطلب منك أن تقرضه مبلغًا لفترة محددة، ولكن بعد فترة من الزمن سيخلع عن نفسه ذلك الإلتزام معك، وسيعاملك على أساس وقفة أخوية أو إنسانية .. وهذا أمر طبيعي لمن لا يرى من المقربين له، إلا العطاء، وأعتقد أن الكثيرين جربوا مثل هذه المواقف !! ففي أحيان كثيرة يتساهل الشخص في حقوق القريبين منه، على أساس دالّته عليهم، وموقعيته بينهم، وكأن ذلك يعفيه عن التزاماته تجاههم، وهذا خطأ كبير، فمراعاة حقوق الأقربين أولى، لأنهم الأكثر احتكاكًا بالإنسان، وإذا ما تعوّد على تجاوز حقوقه، فسيعيشون معه معاناة دائمة، لذلك يقول الإمام علي عليه السلام: « ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك » نهج البلاغة - كتاب ٣١ . وكذلك الحال في العلاقة مع الأصدقاء، فإن تجاوز حقوقهم اعتمادًا على تغاضيهم عن ذلك، يسبب تدمير الصداقة وإنهاء الأخوة، يقول عليه السلام : « لا تضيعن حق أخيك اتكالًا على ما بينك وبينه، فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه » الموسوي: الشريف الرضي.

-- نقل لي صديق هذه القصة: « قال: ذات مرة عندما أتاني أحدهم يقترض مبلغًا من المال وقد شرح لي أزمته أو أزماته العديدة بلسان فصيح وصوت متهدج جريح جعلني أعبر عن امتناني لأنه خصني أنا من دون الناس جميعًا بطلب المساعدة على الخروج من محنته المتأزمة. أسرعت ودفعت إليه ما طلب لأكتشف بعد أيام أنني إنما كنت الأخير من بين عدد من معارفه الذين راحوا ضحايا مثلي، حيث لم يسترد أي منا ما دفعه له، ولو كنت بمكالمة هاتفية واحدة لبقيت ريالاتي في جيبي، ولا أود أن أسرد المزيد من مثل هذه الحكايات التي إنما تدل على مدى قصر نظري - مجازًا كما هو بالمناسبة حقيقة - وعلى نوع السذاجة حتى لا أسميها أسمًا آخر أسوأ » .

-- أخبرني أحد المؤمنين بمآسي الثقة بقوله: « مررت بتجارب عديدة ممن يستقرض مني بذريعة حاجته، ويضطرني للموافقة رغم حاجتي للمال، وتنقضي المدة المعينة وتمر سنوات دون أن يكلف نفسه حتى بالاعتذار، بل علمت من أحدهم سافر سفرًا للترفيه مع عائلته إلى لندن واضطررت للتدين لأكمال بناء منزلي آنذاك . بل هناك شخص آخر وبعد المماطلة في إرجاع المال صار يساومني في تخفيض المبلغ .

هناك بعض السلوك والتصرفات التي تقترف هنا وهناك، مما لا يقره شرع ولا تصونه أخلاق، خصوصًا تلك التي تقع فيها خداع يذهب ضحيتها الكثير من الناس، فهناك من يدعي الحاجة وهو في الواقع ليس محتاجًا، فهو يريد المال ليصرفه في متطلبات سخيفة غير معقولة كتبديل سيارة أو السفر غير الواجب. وهناك المحتاج فعلًا والسبب عدم تنظّيم أموره، نجده في كل وقت يقترض مالًا من أصدقائه ومعارفه، ويعجز عن أسترداده » . هذه أمثلة لا يميزها عن غيرها إلا أنها قريبة المتناول نستطيع أن نقيس عليها مئات من أمثالها. أريد أن أقول إنه يتعين علينا أن ندقق ونتعمق في أمر الحقوق والواجبات، ويحسن بنا أن نتعرف على علاقتها بانتظام الحياة ؛ فمثلًا: إذا كان دائنًا يشدد على واجب المدين في المبادرة إلى أداء الدين، وحرمة المماطلة والتسويف، أما إذا كان مدينًا فإنه يركز على إنظار المدين {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ..} ويذم الإلحاح والتضييق على المدينين !! 

قدمت كل هذا لأقول: « قد يُطلب منك مبلغًا ويعطيك وعدًا بإرجاعه في وقت لاحق، ثم يميل إلى تأجيل الوقت أو التثاقل في أدائه، فكلاهما تسويف ومماطلة، والنتيجة قد تخلق عدم ثقة، فمن الواجب احترام مواعيد استعادة الحق، من أجل استمرار أصحاب القيم والأيادي الخضراء في عمل الخير، فلا يجوز التسويف والمماطلة والبحث عن مبررات لإهدار حقوق الناس، من ميل لتأجيل أدائها لوقت لاحق أو التثاقل، وربما أباحوا لنفسهم عدم استعادتها، فينشأ عنها خلاف ونزاع وقطيعة وتمزيق الاخاء والصداقات، ويترتب على ذلك التوقف عن مساعدة الناس وحل مشاكلهم.

هناك فعلًا أشخاص يقطعون سبيل الخير ( المعروف)، لأن من مرّ بهكذا تجارب مرّة سيتردد كثيرًا في الإقراض رغم أنه شرعًا مستحب بل هو أفضل من الصدقة كما ورد في بعض الروايات »

في الختام ، لجوء بعض الناس إلى هكذا ممارسات استغلالًا لطيب أخلاق الأقارب والأصدقاء، ونحن لا ننكر أن بعضهم ربما دعته الحاجة إلى طلب المساعدة، ولكننا نعتقد أن الكثرة منهم يمكنهم أن يستغنوا عن مد أيديهم بطلب المال من أناس لم تكن الحياة عندهم بأحسن حال، فضغط الحياة وقسوة الأيام أصبحت تعتصر قلوب معظم الناس ، لقد بات البعض بحكم العادة أن يقترض، ثم لا يلتزم بموعد استعادة الدّين، وقد يلجأ إلى التسويف والمماطلة والبحث عن مبررات للتخلص من أداء ما عليه من حقوق وواجبات . والكثير يفعلون ذلك باستخفاف دون مراعاة حق الغير، وربما استاء لها بعضنا ولكنها الحقيقة يجب أن تقال مهما كانت مرارتها .. نعم هذه الحالة مالبثت أن تفاقمت واتسعت، ولا ندري كيف نجد حلًا لعلاجها !!

-- ها هو ذا رمضان مقبل بأنواره، وكأننا نراها في الأفق قادمة، اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان .. دعواتي لكم بقبول صيامكم وصالح اعمالكم ويغفر الله لي ولكم .. ياواسع المغفرة، ياباسط اليدين بالرحمة، يارب العالمين، أدعو الله سبحانه أن يحفظكم ويشافي مرضاكم ويرحم موتاكم ببركة هذه الليلة والشهر المبارك ،بحق محمد وآله الأطهار .

 ~ آخر جمعة شعبانية مباركة على الجميع ~  

_________

-- ليت أخواننا وهم يرون ما على الناس من ديون .. المثقلة بالهموم، ترتيب حياتهم بما يتناسب مع دخلهم، وأن يتبصروا العواقب قبل أن تخر السقوف من فوقهم وهم لا يشعرون. 


محبكم/ منصور الصلبوخ.

تعليقات