#خاطرة_الجمعة « وكم من ضعيف يرى الموت عيانًا !! »

 


#خاطرة_الجمعة « وكم من ضعيف يرى الموت عيانًا !! » 

من المعروف أن المياه الراكدة لا تصلح للحياة ، لأن ركودها يسلبها عناصر الحياة التي تتجدد بتحركها المستمر كما تتغير رائحتها ولونها وطعمها ، كذلك الأمر بالنسبة للجسم البشري الراكد ، حيث يكون غير قادر على الحياة الصحية السليمة .

بعض الناس لا يحيون، وهم أشبه بأولئك الذين يقفون بالمحطات وينتظرون قطارًا، بينما المحطة تدّوي والقطارات تسير، فإياك أن تعتقد أن الرغبة في الحركة هي الحركة، وأن تصوّر القوة هو القوة، وأن نية العمل هي العمل، وإلا كنت حقًا كمنتظري القطارات، أو كنت كذلك العصفور الصغير البائس الذي يطير خلف النسر معتقدًا أن النسر هو الذي يفرّ أمامه. فأذكر أنك طاقة وقوة، وأن قيمتك في أن تستمد من إرادة الله عز وجل إرادة لك، وأنك قد جئت إلى هذه الدنيا وأنت مشروع إنسان، وأن مجدك في أن تلهب طاقتك وقوتك، وأن تكون بإرادتك نحّات نفسك بحيث يتم على يديك اكتمال هذا الإنسان .

الجمود والسكون والركون صفات عكس الحركة .. والحركة هي سر الحياة .. الجمود هو الموت البطيء، والجمود عكس المرونة، بمعنى عدم القدرة على الحركة .

قبلًا .. كانت أغلبية الناس أكثر قوة، وأكثر صحة، وأكثر نشاطًا وحيوية، وأجسامهم لا تعرف الترهل، لأنهم - ببساطة - يسيرون على الأقدام، ولم يكن باستطاعة الكثرة منهم أن يركبوا السيارات، وبذلك لم يكن أمامهم - وقسْرًا - سوى المشي وقضاء مصالحهم على أرجلهم وكان ذلك يحرق كل ما ينزل إلى جوفهم من طعام.

ممارسة النشاط البدني ضرورة خلال مراحل العمر المختلفة للوقاية من العديد من أمراض نقص الحركة مثل السمنة، والسكري، وارتفاع ضغط الدم، وتصلب الشرايين القلبية، والجلطات القلبية .. والنشاط الحركي سوف يحمينا من كثير من الأمراض المزمنة وآلام المفاصل والظهر بإذن الله تعالى . فقد عرف أطباء القلب ومنذ سنين عديدة أن الأشخاص الذين يمارسون النشاط البدني بانتظام هم أقل الناس عرضة لأخطار أمراض القلب، هذه الفائدة هي في الواقع امتداد للفوائد الناتجة عن هذا النشاط في المراحل العمرية المتقدمة، كما أنها تساعد على شذالحفاظ على حد كافٍ من القدرة الوظيفية للقيام بأنشطة الحياة اليومية، وبالتالي عدم الاعتماد على الآخرين، أيضًا في بعض الأحيان فإن الأنشطة البدنية المنتظمة سوف تمنع أو تؤخر التدهور العقلي.  

إن الأشخاص الذين لا يحبون النشاط الحركي عادة ما يوصفون بالكسل، وهؤلاء يعرضون صحتهم لخطر العجز أو فقدان الحركة وهم في خريف العمر، أو في المرحلة التي تليها، وهم بهذا القدر من الضعف والترهل، وبالتالي عدم قدرتهم على أداء الواجبات المطلوبة على أكمل وجه، وربما أدى بهم ذلك إلى العجز التام.

عندما يتقدم العمر عند الإنسان فهو بحاجة ماسة إلى النشاط والحركة، وبرامج رياضية متوازنة، لتقوية المفاصل والعضلات، من أجل منع التدهور العضلي، ولكي يقوم المسَّن بأعماله اليومية على خير وجه، معتمد على نفسه لمدة أطول . 

وعلى الإنسان الاستفادة من الحياة بالجد والعمل المتواصل، فهي تدفع إلى التقدم ولذلك تأتي أهمية الأنشطة البدنية المنتظمة في حياتنا وبخاصة في العصر الحديث الذي يحتم الجلوس ساعات تلو الساعات أمام الأجهزة الذكية أو في تأدية بعض الأعمال أو في الفصول الدراسية دون حركة، وحتى خلال مزاولة أمور الحياة العادية التي تتطلب كل تلك الأوضاع . بدأنا نجلس كثيرًا ونأكل كثيرًا، وبدأ الترهل وشكل السمنة يزحف على بعضنا، وبتنا لا نقوى على الحركة، وبالتالي بدأنا نسمع عن أمراض ما كنا نسمع بها أبدًا، وموتى لأسباب غريبة !! في السابق كان الإنسان يقوم بكل أعماله بنفسه، أما اليوم فوسائل الحضارة من تقنيات وأجهزة، وانماط حياة أسرية جديدة والتي تميزت بوجود سائق وخادم ومربية .. حيث اعتمدت الأسرة على مظاهر الرفاهية بدلًا من استخدام طاقتها البدنية، فقد حولت كل فرد من أفراد الأسرة شخصًا كسولًا، وبالتالي قل نشاطهم الحركي .. ماذا استفدنا، ملأنا بيوتنا خدمًا، وأعيينا أجسادنا بالأمراض التي سببها الخمول والكسل .. وضع مؤلم بالنسبة لكبار السن في مجتمعاتنا الذين يتحولون عندما يبلغون مرحلة متقدمة من العمر، إلى عبء ثقيل على ذويهم وكثيرًا ما يلجأ هؤلاء إلى التخلص منهم بإدخالهم المستشفيات أو مراكز رعاية المسنين. لقد نبتت فكرة العجز والكسل والخمول في ذهن فئة من كبار السن، أولئك الذين قرروا الكف عن العمل والإخلاد إلى الراحة انتظارًا بما سيحل بهم من اسقام، وأنه حان الوقت للتوقف عن دورهم في ساحة العمل والعطاء. وهناك من الظواهر والمؤشرات ما يدل على أنهم الآن يسيرون في ذلك الاتجاه. أعيينا أجسادنا بالأمراض التي سببها الخمول والكسل .. والاستسلام والانكفاء والإنعزال عن الناس، وحين يدب فينا الوهن ونقع فريسة الكسل والخمول، تتعطل قدراتنا في أداء مهماتها، وتصاب قلوبنا بالشيخوخة، وتتعرض أجسامنا للبوار وشقاء المرض، وإذا سيطرت علينا أفكار الضعف والوهن، فالأرجح أن نمسي مرضى سقماء، ولن نجد من يواسينا في محنتنا، هذا هو حال أولئك الذين اعتادوا الاستسلام، هم في حال هبوط وانحطاط وتوقف وجمود .. فكيف نعالج هذا الوضع؟ لا شك في أن مرحلة ما بعد الستين أو حتى السبعين من العمر تتسم بالاستقرار الذهني والعاطفي، مرحلة تحقيق الأحلام والأماني والمناصب والجلوس على القمة أو الاقتراب منها أو الوصول إلى مكانة اجتماعية مرموقة، إنها حقًا مرحلة الحصاد والعطاء والتميز وطموح الوجدان والقدرة على التعامل الأفضل مع معطيات الحياة . لا أرى في تلك المرحلة العمرية أو حتى من تجاوزوها إنحدار في القدرة على العطاء .. فالحياة ميدان عمل لا تنتهي من مشرق العمر إلى مغربه، نحس بجمالها وقيمتها، ونتعلم منها ونتعظ بدروسها الصالحات ونحيا كل يوم حياة جديدة مستمدين من هذه الفلسفة الرائعة إيمانًا بأنفسنا وقوة على أن نحتمل فيها المكاره ونصمد أمام النائبات . فكم من ضعيف يرى الموت عيانًا !! لنتعلم من سيرة الأجداد ما يحول بيننا وبين العجز الذي أوله حرمان وأوسطه عذاب وآخره استسلام والعياذ بالله !!

-- في أجواء هذا الشهر المبارك، أسأل الله تعالى أن يتقبل منا جميعًا صالح الأعمال، ويستجيب لنا صالح الدعوات، ويغفر الله لي ولكم يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يارب العالمين .

-- نبكي ونذرف الدمع السخين على أهلنا وأحبتنا وأبناء مجتمعنا كانوا بيننا وأمام أعيننا وفجأة وفي غمضة عين غادرونا، اللهم أرحمهم وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه، والصلاة والسلام على نبينا المصطفى خاتم الرسل وعلى آل بيته الطيبين الأطهار .

 طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد. 

_________

-- التحرك والشغل المتواصل لكبار السن في اليابان تعكس فلسفة الحياة المليئة بالحيوية والنشاط .. صورة مشرقة في حياة كل فرد في اليابان، هم من يحددوا قيمة حياتهم، لقد استطاعت اليابان أن تصبح دولة متقدمة من الدرجة الأولى بسبب نظرتها للحياة !!


محبكم/ منصور الصلبوخ.

تعليقات