#خاطرة_الجمعة « العقار .. حصن منيع لظروف الزمن »
يقال:(أن الأسعار متدنية هذه الأيام ) أو ( أن الأسعار مرتفعة هذه الأيام ) نسمع هذه العبارة عن الذهب والأسهم والعقار .. وكل ما يتعلق بعمليات البيع والشراء ويتحكم فيها العرض والطلب .
قبل نصف قرن كانت الحياة لها معنى وطابع يسودها القناعة وقلة الكلفة بين الناس، وكذلك بساطة الأمور في نظر الناس وهذا شيء طبيعي إذا قارنته بقابلية الإنسان للتغير والتأثر بكل ما حوله من معطيات الحياة .
جئت اليوم وهذه المشكلة التي من أجلها تصديت أصلًا للكتابة في الموضوع كله؛ لأنطلق من التوضيح الموضوعي المتعلق بحياة وتاريخ العقار بالمنطقة نظرًا لموقعها الاقتصادي المتميز، فمنذ الانطلاقة الاولى لشركة أرامكو ودورها في جلب العمال والموظفين من جميع مناطق المملكة، نشأت عدة تفاعلات اقتصادية بالمنطقة وأسست مصانع وقامت مشاريع إنشائية كبيرة، وكان العقار هو الركيزة التي ما من رجل أعمال أو قادم للمنطقة أو مفكر بالاستثمار والاستقرار إلا كان العقار هو نظرته وطموحه في تثبيت وتحسين مستقبله والذي كان - بتوفيق الله - هو الأساس كما أن العقار في المنطقة قفز خطوات ووصل إلى درجات عالية بزمن أسرع من المفروض، وتدور دائرة الحياة ويغلق بعض أصحاب المصانع مصانعهم وتفلس بعض المشاريع، وتهبط الأسهم، ومازال العقار بكل شرائحه حصنًا منيعًا لا يموت بل يتجدد وينشط وقد يمرض ولكن سرعان ما يتعافى ويكمل دوره في البقاء، نعم فكم عقار أنقذ صاحبه من الإفلاس، وكم عقار ستر على أسر تعرضت لظروف صعبة، وكم عقار رفع ناسًا درجات وهم لا يحملون شهادات، وقبل ذلك كله وبعده الشعور بالاطمئنان والأمان من العوز وغوائل الأيام، وليس فقط الاطمئنان والأمان على نفسه ولنفسه بل لمن يعولهم أيضًا، ولن أحصي حسنات العقار مهما كتبت عنه، فأنني أذكر جيدًا أسعار العقار في ذلك الوقت، حيث لا يخفى على الجميع ولا أبالغ إذا قلت أن البلدية في ذلك الوقت كانت تعطي الناس أراضي كمنح وهبات لتعميرها، وكانت الأراضي في ذلك الزمن لا تساوي إلا قيمتها من مواد بناء وأجور عمالة فقط دون أي اعتبار لمستقبل أو استئجار أو جدوى اقتصادية أخرى، لأن في ذلك الزمن لا يوجد الطموح والقيمة الاستثمارية الحالية، واليوم فإن هذه الأراضي يتداول بيعها وشراؤها بمبالغ خيالية خصوصًا ذات الموقع التجاري أو في المخططات السكنية الحديثة، وحتى البيت القديم الواقع بشارع صغير والذي آكل الزمن عليه وشرب لا ينقص سعره عن نصف مليون ريال، وهذا مجرد مثال تقريبي فهناك تفاوت كبير في الأسعار .
من أصعب الأمور في زماننا أن يُهمل أمر الزواج وهو الملاذ الآمن للشباب لكونه مرتبطًا بالأوضاع المادية. من هنا لا بد من النظر إلى القضية بواقعية، حتى يكون عامل مشجع لإزالة جميع العقبات. نحن أمام تحد كبير لا يقدره إلا من يعيشه، ويعيش متطلباته وخفاياه وارتباطاته ولا خبر كالعيان.
التقيت مع مجموعة من الشباب في مقتبل حياتهم العملية تتباين حكاياتهم لكنها تجتمع في همّ واحد وهو العجز عن تأمين السكن الذي يرغبون الاستقرار فيه، إذ من الصعب أن يجد الشاب شريكة حياته التي يمكن لها أن تتقبل المعيشة غير في سكن مستقل ولائق !! معظم الشباب يواجهون المشكلة نفسها التي تتمثل في عدم توفير مسكن خاص يتناسب مع دخلهم، والسبب الذي جعلني أكتب عن العقار هو لجوء الشباب إلى الاقتراض من البنوك لتمكنهم من امتلاك منزل أو شقة .
وهنا نتحدث حول مشكلة تواجه أبنائنا، وهي ارتفاع أسعار الأراضي لأرقام غير معقولة، حتى إنه بات من المستحيل لصاحب الدخل الأقل من 10 آلاف ريال، التفكير في شراء أرض للسكن، ناهيك عن امتلاك دوبلكس أو شقة، كما أن الأراضي البيضاء في منطقتنا داخل النطاق العمراني تكاد تكون محدودة أو غير متوفرة، أو محتكرة أو بأسعار ليست في متناول كل الناس، وحتى في حالة البحث عن شقة مناسبة قد يصعب على الزوجين إيجادها رغم ارتفاع ايجارها، كون معظم العقار السكني المتداول مجهز للتملك وليس للإيجار، مما يضطر في بعض الأحيان رَبُّ الأسرة إلى الاقتراض من البنوك من أجل توفير سكن لأسرته، وقد يكون اتجاه غير صائب أو قرار متسرع في ظل إرتفاع مستوى المعيشة ومتطلبات الحياة التي تغيرت اليوم عما كانت عليه بالأمس، وهناك ممن يعانون من تدني الدخل، وعدم الاستقرار الوظيفي، وأيضًا الشروط القاسية التي تضعها البنوك وملاك العقار . لذلك وجد كثير من الشباب أنفسهم في ورطة الديون. في مقابل كل ذلك بات بعض الآباء يقاسون مضض توفير سكن لأبنائهم، أصبح الابن عندما يرغب في الزواج يطلب من أبيه مسكنًا مستقلًا بينما كان الأبناء من قبل يتزوجون ويقيمون ضمن العائلة الأكبر، أن مفهوم استقلالية العائلة الصغيرة زاد كثيرًا .. نعم هؤلاء الآباء تركوا الأبناء يخوضون معترك الحياة دون سند لهم، فكيف يستطيع بعض الأباء توفير سكن لأبنائهم وهم في الواقع يعانون الضيق والفاقة والعوز، وقد لا تتوفر لهم حتى ضرورات الحياة الكريمة في أواخر عمرهم !!
وأخيرًا ، لعل شبابنا الجديد لا يعرف الكثير عن الحيوية التي كنا نعيشها في عهد شبابنا قبلهم، لم يكن بيننا أو بعضنا على الأقل أناس من أصحاب الثروات، ومع هذا فقد صنعنا كل ما يجب بجهودنا الذاتية .. وخططنا جيدًا لمستقبلنا، ووضعنا القرش مع القرش وتمكن البعض أن يمتلكوا البيوت والعمارات .. وكل ذلك من مرتباتهم فقط، لأنهم عرفوا كيف يتعاملون مع الحياة !!
-- اللهم ارحم من رحلوا عن هذه الدنيا وتركوا في ذاكرتنا صورهم وأصواتهم وضحكاتهم .. اللهُم ارحم من اشتاقت لهم الروح .. اللهم آنسهم في قبرهم واجعلهم في مساكن جنتك آمنين مطمئنين .. اللهم خفف علينا شوقنا لأحبتنا الراحلين .. اللهم ارحمهم واغفر لهم وأعفو عنهم وأكرمهم بلذة النظر لوجهك الكريم وبلغهم شفاعة نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم يارب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد.
_________
-- في رأيي الشخصي أن العقار بكامل شرائحه وأنواعه حصن منيع لظروف الزمن إذا عصفت على صاحب الحاجة، وفي نظرة اقتصادية نبعت من معايشة طويلة فإن العقار هو المعيار سواء في هبوطه أو انتعاشه على حالة الاقتصاد بشكل عام، حيث كل مشروع ناجح وراءه عقار ناجح !!
محبكم/ منصور الصلبوخ.
تعليقات
إرسال تعليق