#خاطرة_الجمعة « الامتحان عند الحاجة »
طلبَ أخ من أخيه مالًا فكأنه تثاقل عليه، أو لم يعطه ما كان يأمل، فعاتب أخاه، فعتاب القريب يجد في النفس صدى، ويجلب الحزن والكآبة ويحرك كثيرًا من مشاعر الضيق وألم الإحباط، ويعيق حركة الإنسان النفسية وربما الجسمية .
في هذه الدنيا التي تتباين فيها الأرزاق والحظوظ، فربما أثرى الجاهل وافتقر العالم، واحتاج القريب لقريبه فمنعه، والمحتاج أكثر نبلًا وأنفع . فالعتاب قد دفع إلى التقصير في عمل الخير، ونفض اليد عن الآخرين، لأن منع القريب أو تهاونه، أو ظلمه، يولد في النفس فراغًا واحساسًا بأن ذلك القريب يهون من شأن الرجل ولا يضعه في موضعه، ويحط من قيمته، وربما كان للكثيرين رأي في أنفسهم لا يراه الآخرون، ولكننا لا يجوز أن نستغل ذلك إذا احتيج إلينا، فالحاجة وحدها انكسار ومذلة حتى لو قضيناها، ومن احتاج لك فقد اعترف بفضلك .. والتضحية في سبيل الأقارب كثيرًا ما تعود على صاحبها بخيبة أمل وإحباط وتجعل عتابه مرًا، لأنه لم يجد ما توقعه، ولأنه اسدى وبذل ..
إن هناك أناسًا، إن ذهبت إليهم في حاجة يردونك، خوفًا من أن تتعطل حوائجهم، وهؤلاء لا نصيب لهم يوم يقوم الناس إلى الحساب !! إن إراقة ماء وجه المؤمن باضطراره السؤال، إهانة له، والإهانة محرّمة، لأنها تمس كرامة الإنسان.
لماذا يعتذر البعض، حينما يأتيه إخوانه في حاجة، فيقول: أنا لا أستطيع مساعدتك؟ أترى هل هو صادق في كلامه وعدم قدرته في قضاء حاجة الآخرين؟ ثم كيف يستطيع صاحب أي قلب ينبض بحس إنساني كيف يستطيع أن يصم أذنيه ويتجاهل من طلب منه العون والمساعدة .
وهناك بعض الناس من يرون أن حاجة الآخرين إليهم، مشكلة، فهم يفرون منهم، ويتحاشون الحديث معهم، أو النظر إليهم، هم لا يدركون أن «حوائج الناس إليهم نعم الله عليهم » لأن قضاء كل حاجة له أجر عظيم عند الله، فمن يسدي إلى أخيه معروفًا أو ينفس عنه كربة أو يدخل على قلبه سرورًا، يحظى بظل عرش الله يوم القيامة . قال صلى الله عليه وآله: « من فرَّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة » .
كن شجاعًا في الاستحالة لطلبات الناس، فإذا جاءك أخوك طالبًا حاجة منك فلا تخف، ولا تهرب من قضائها، ولا تبحث عن الأعذار في عدم مساعدته، بل بادر إلى قضائها. قال أمير المؤمنين عليه السلام: « وقضاء حقوق الإخوان أشرف أعمال المتقين » دار السلام، الطبرسي ط١،ج٣ .
انوِ الخير تنله ولا تتعال على غيرك أو تخذله، فكم درس يحصل عليه الإنسان من خلال موقف أو حدث، خذوا هذا العنوان من المؤاخاة الإسلامية التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله، والأمر واضح وليجعل كل واحد تلك المؤاخاة نصب عينيه ليستوحي منها الدروس وليسير على خطا محمد وعليّ صلوات الله عليهما وآلهما، نعم علينا الاستفادة من الدروس، لأن عضّ إصبع الندم أو العتاب لا يجدي نفعًا بعد ذلك، يحتاج الإنسان إلى الأخ الروحي وإلى الصديق الوفي الذي يحب له ما يحب لنفسه.
لا شك أن أصدقاء " الأخذ " كثيرون، أما أصدقاء " العطاء " فهم قلة .. وهم الجديرون بالصداقة، لأنهم أصدقاء الإنسان، لا أصدقاء جيبه !! فليس الأخ من يدعي العطاء .. بل هو من يكون سخيًا عند الحاجة إليه .. لا بد أن نحسن مساعدة أخينا المؤمن حينما يكون " متورطًا " .. مثلًا حينما تعطيه المال لقضاء جاجته.
ولكي نعرف أي إنسان، جرّبه عند الحاجة إليه، وانظر هل يقدّر حاجتك أم لا ؟ وهل يهتم بك، وأنت محتاج ؟ يقول الحديث الشريف: « ثلاثة لا تعرف إلّا في ثلاثة، لا يعرف الحليم إلّا عند الغضب .. ولا الشجاع إلّا عند الحرب .. و لا الأخ إلّا عند الحاجة » بحار الأنوار ج٧٨ ص ٢٢٩ .
ترى: هل من الأفضل أن يحتاج إليك الناس، أو تحتاج إليهم، وإذا كان الأول صحيحًا فلماذا ترفض قضاء حوائج المؤمنين والأصدقاء، وأنت قادر عليها. ولا ننسى حينما يحتاج إليك الناس، إنك ستحتاج إليهم يومًا، ولا تبخل على نفسك بقضاء حوائجهم، لكي لا يبخلوا عليك، حين الحاجة إليهم. فقد يضيق بك الخناق فلا تجد من يقف معك .
إن المال ليس ملكك، بل هو ملك الله جل وعلا .. فلماذا يفكر البعض بعقلية أنانية، ويتصور أن من حقه أن يعيش غنيًا مرتاح البال، بينما يموت آخرون بؤسًا وجوعًا وحرمانًا ؟!
هناك فئة من الناس جعل الله عز وجل في افئدتهم كمًا كبيرًا من الرحمة والشفقة بحيث لا تراهم في أوج سعادتهم ولا تراهم تملأ الابتسامة وجوههم إلا عندما يقضون للناس المحتاجين حاجاتهم على أي شكل كانت . وهذا الإمام جعفر الصادق عليه السلام يوصي أحد خواصه فيقول له: يا ابن جندب: « الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة، وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم (بدر) و (أحد) وما عذب الله أمة إلا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم ». تحف العقول: ص٢٢٢ .
ونخلص من ذلك كلّه، إن المشّرع الإسلامي يحدد علاقة الفرد بالآخرين من خلال عمليتين هما: حب الآخرين وقضاء حوائجهم، ويُطالبنا بأن نكون من أصحاب الفضل إلى الإخوان والمبادرين إلى الإحسان إليهم، وقضاء حوائجهم المادية والمعنوية.
-- نبكي ونذرف الدمع السخين على أهلنا وأحبتنا وأبناء مجتمعنا كانوا بيننا وأمام أعيننا وفجأة وفي غمضة عين غادرونا، اللهم أرحمهم وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه، والصلاة والسلام على نبينا المصطفى خاتم الرسل وعلى آل بيته الطيبين الأطهار .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد.
_________
-- لقد قيل لأحد الصالحين: إذا قيل لك إنه لم يبق من حياتك إلا ساعة من النهار، فماذا عساك أن تفعل فيها؟ أتصلي؟ هل تقرأ القرآن؟. قال: لا .. بل أخرج من بيتي، وأقف عند باب الدار، وكلما مرّ شخص أسأله: هل لك حاجة فأقضيها .. لك .. فهذه من أفضل الأعمال والقربات.
محبكم/ منصور الصلبوخ.
تعليقات
إرسال تعليق