#خاطرة_الجمعة « مَصيرُ الطِفْل بَيْن أبَوَيْن دَأئمَي التَنَازع »

 


#خاطرة_الجمعة « مَصيرُ الطِفْل بَيْن أبَوَيْن دَأئمَي التَنَازع » 

دار بين زوجين نقاش حول أمور البيت والأولاد فصرخت الزوجة: أنتَ إنسان لا مبالٍ ، لا يهمكَ أبناءكَ ولا بيتكَ، وردّ الزوج: أنتِ إنسانة متهورة، لا تستطيعين أن تتصرفي دون حماقة، فصعقت المرأة من ذلك الوصف الذي لم تسمعه منه من قبل، وصعق الزوج كذلك من وصفها له يأنه لا مبالٍ . يحدث كل ذلك أمام مرأى ومسمع الأبناء.  

يعتقد معظم الأزواج أن المنازعات البيتية التي تدب بينهم، هي منازعات تتعلق بهم وحدهم وتمس اشخاصهم فقط، ولا تجاوزهم إلى المحيط الخاص الذي يعيش فيه أولادهم، ولكن الطفل هو عدسة حية تلتقط كل ما يقع في البيت .. ففي الغالب يلتقط الطفل أفكاره ممن حوله، وخاصة النزاع الذي يدب بين والديه على مرأى ومسمع منه، ولا سيما إذا كان مصحوبًا بألفاظ نابية نابعة من قلة الاحترام، هذا النزاع يعدم في مخيلته كل قدوة طيبة، ويتخذ على الفور في نظره شكل الكارثة فيزعزع استقراره.

لا تخلو الحياة الزوجية من خلاف أو تشنج أوخصام بين الزوجين، ثم سرعان ما يعود الوئام ويسود الصفاء. هذا أمر طبيعي، ولكن عندما تسود الأسرة جو من اللاإنسجام بشكل دائم، فإن ذلك يشكل أمرًا مزعجًا للطفل، تجعله ينظر إلى الحياة بقلق .. تجعله يقع في سلسلة لا متناهية من العقبات النفسية .. تجعله يكره الحياة نفسها . 

أن طفلًا يعيش بين أبوين دائمي النزاع والخلاف يظل في دوامة من الحيرة والقلق لا يعرف إلى أي من الاثنين يرجع، ما دام كل من الفريقين يرمي اللوم كله على الفريق الآخر، وما دام الطفل غير قادر بعد للحكم بنفسه على صاحب الحق .. فكم نسيء إلى أطفالنا وإلى أنفسنا، إذا مضينا في منازعاتنا ومشاجراتنا غير آبهين لمصلحة أحد !!  لأننا إذا شئنا أن يترعرع أولادنا على الحب والعطف المتبادلين وعلى إشاعة روح الطمأنينة والاستقرار، فالضمانة الأولى للعلاقة الأسرية هي أن يكون الحوار بين الزوجين هادىء، يتبعه الصبر والحلم والغفران، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: « جمال الرجل حلمه »، ولأن الحياة الزوجية السليمة المترابطة من أفضل ما يمهد لنمو اعتقاد راسخ في الطفل، من أن كلا الوالدين يستأهل الحب .. حبًّا إيمانيًا ساميًا لا يغيره شيء، أما المشادات والنزاع العنيف الدائم بين الوالدين، فمن شأنه أن يضع الطفل أمام مشكلة نفسانية وأخلاقية صعبة يضطر معها إلى تقرير حاسم حول: من الوالدين أحق بمحبته واحترامه؟ ولربما وصل من وراء ذلك إلى اعتقاد خطير هو أن ليس بينهما من يستحق ذلك، ومن هنا تبدأ ثورته ضد البيت والوالدين، ولربما امتد سخطه إلى الحياة نفسها. فالطفل الذي يرى أبواه يتقاذفان الاتهامات والكلمات المسيئة تجاه بعضهما، لا يكاد يمر يوم إلا وهما في عراك وصراخ لا ينتهي، سينمّي لديه نزعات عدوانية ملحوظة لديه، هو يتشرب الصفات السلبية وينشأ عليها، وتتشكّل شخصيته فيعيش حياته باضطرابات نفسية وانحرافات سلوكية حتى حين يكبر ويتزوج وينجب؛ فإنه يتعامل مع أسرته بناءً على ما تطبعت به طفولته .. صورة ذلك الأب المشاكس الذي تمركزت في عقله منذ الصغر . نعم قد يتحاور الزوجان ويتناقشان ليعبّران عمّا في النفس، من دون الحاجة إلى الصراخ والمعارك الكلامية التي من الممكن أن تترك آثارها على شخصية الطفل . 

نعرف أن كل طفل يحب أمه إلى درجة الإثارة، ويعتبرها مثله الأعلى في الحياة، ويتمنى في قرارة نفسه ابتعاد أبيه الذي يقاسمه هذا الحب . وعندما يشتد النزاع بين الوالدين يجد الطفل نفسه أمام شيء مذهل مرعب .. أنه يشهد محاولة الوالد تحطيم مثله الأعلى، ويشهد ايضًا محاولة الوالدة تحطيم شخص يخافه ويحترمه أو يقدره ويهابه، وهكذا يقع في مأزق، فهو يخاف على أمه ويسقط أبوه في نظره ويفقد هالة القدرة والجلال التي أحاطه بها .. ومن ثم قد يصبح الطفل لا يأبه للأب ولما يمثله من قيم، وكم جرّت هذه الحالة إلى جرائم للاحداث كان سببها استغلال الطفل للنزاع الدائم بين أمه وأبيه وانحياز الأم لابنها وتفكك شمل الأسرة، وحتى خرابها .. وهكذا يمكننا أن نجزم بأن النزاع بين الوالدين يقضي على اساس العائلة ويقوض أركانها ويشوه الروابط العاطفية التي تصون البيت الزوجي من التدهور والانحلال.

إذن ما الحل؟ .. هل نخفي الخلاف أو الشجار الذي ينشأ بين الزوجين إذا كان الطفل حاضرًا ؟ من الطبيعي أن يختلف الزوجان، بل إنه من المستحيل أن يتفقا في كل شيء، حيث يجد الزوجان نفسيهما في طاحونة دائرة من المشكلات والمجادلات التي لا تنتهي، من أجل أن تمر الأمور بسلام. الاتجاهات التربوية والنفسية تشدّد على أهمية لجوء الزوج إلى أسلوب التغافل أو التغاضي، يعني أن يغض الطرف عن أخطاء زوجته ومشاكلها، ويفترض نفسه كأنه لم يعرف ولم يفهم، لكي يتجنّب كلا الزوجين المناوشات والمشاحنات الدائمة أمام أبنائهما، ومن ثم ينعكس ذلك إيجابًا على سلوك الأبناء . هذه التوصية التربوية يتعيّن على الأزواج والزوجات الإلتزامُ بها. ولهذا عملت الشريعة على توضيح الرؤيا الكاملة التي يجب أن تكون عليها العلاقات بين الزوجين ليتوفر للطفل الجو الهادىء الذي يجعله مستقرًا روحيًا ونفسيًا وجسديًا ويكون مهيئًا للتربية لعدم وجود العقد والأزمات النفسية التي تسببها العلاقات الأسرية المنحرفة.

أيها الآباء والأمهات، لكي يكون أبناؤكم أكثر راحة وطمأنينة ينبغي عليكم تجنب أي خلاف عائلي - إذا ما حدث - بالحكمة والروية، حبًا لهم، وأن تبرزوا على الدوام المشاعر الناعمة، والكلمات اللطيفة، والتعامل الصحيح مع القضايا الزوجية المختلفة بالعقل والقلب والضمير، أننا لا نطلب بأن نمثل على الأبناء تمثيلية نكون نحن ابطالها، ونقول للابناء أن الحياة تسير بلا خلاف .. أننا نعرف أن الخلاف بين الازواج شيء يحدث، وطبيعي أن يحدث .. المهم دائمًا أن نعرف عدد مرات الخلاف وأن نقللها وأن نتحكم نحن في مشاعرنا أثناء الحوار ولا نحاول أن نعكس ذلك على الأبناء .. يعني التضحية بكل شيء والاذلال وفق العرف السائد في سبيل أن ينشأ الطفل في كنف والدين غاية في الحب والدفء والانسجام، وتكون تربيته تربية إسلامية تؤهله لمواجهة قسوة الحياة. فصفاء عقل الطفل مستمد من صفاء حب والديه معًا، ومن نقاء جو الأسرة كلها .. وكذلك لا يقل خطرًا عن ظهور الحب بمظهر الانفعال الذي فتر أو كف.إن الحب الذي ينشده الطفل من والديه، هو الذي يكفل له نموًا انفعاليًا سويًا متزنًا .

فيا سيدتي، إذا كان لا بد من اختلاف ومشاجرة، بينكِ وبين زوجكِ فليكن ذلك في منأى عن جميع الأطفال، حتى الرضع منهم، فلا يمكنكِ أن تتصوري أي تأثير سيء تتركانه في نفسيتهم المرهفة ..

وأخيرًا، على الزوجين أن يكونا قدوة حسنة لأبنائهما وبناتهما منذ الصغر؛ بأن يرياهم الأسلوب الجيد في التواصل والتفاهم، وأن يثبتا لهم عمليًا أن النقاش قد يقود إلى اتفاق وقد يقود إلى اختلاف في وجهات النظر، لكن بشرط أن يمتلك كلاهما القدرة على إدارة الحوار بشكل صحي وسليم لكي يبقى في حدود الأدب والتقدير. ونحب أن نقول أننا في العصر الحاضر نعرف الكثير عن الأسباب التي تقف وراء الخلافات الزوجية !!


-- نسأل الله عز وجل أن يفرج همنا وينفس كربنا ويشافي مرضانا ومرضى المؤمنين والمؤمنات ويرحم موتانا وموتى المؤمنين والمؤمنات يارب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .

 طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد. 

 _________

-- إن الحب الذي يسود بين الزوجين لا يعني أن كلًا منهما على درجة عظيمة من التميز والمثالية، فلكل إنسان سلبياته وأخطاؤه،  فكيف  إذن يستطيع الزوجان أن يحبا بعضهما على الرغم من وجود السلبيات؟ إنه سؤال يدعو إلى التفكر؛ فهي قناعة داخلية بأن ذلك الزوج مثالي وعظيم، وأن تلك الزوجة رائعة ومحبوبة، إنها الأفكار، هي التي تبني السعادة، وتقود إلى المشاعر الإيجابية على الرغم من وجود المنغصات بين الزوجين.

محبكم/ منصور الصلبوخ.

تعليقات