#خاطرة_الجمعة « إلهي لا تُؤَدِبْنِي بِعُقُوبَتِكَ »
الله عز وجل لطيف بعباده، حكيم بقضائه وقدره، عالم بأسرار خلقه، رؤوف بهم رحيم، وهو تعالى لا يظلم، كما لا يعطي شيئًا غير النعمة وما فيه مصلحة عباده، سبحانه أعظم من أن يصيب عباده بالهموم والأمراض عبثًا، لا شك ولا ريب في أن كل ظاهرة في نظام الوجود لا تخلو من الحكمة، وإن كانت حكمتها خافية علينا، يقول الإمام الصادق عليه السلام في الحكمة من المرض: " إن المرض على وجوه شتى: مرض بلوى، ومرض عقوبة، ومرض جعل علة للفناء .." بحار الأنوار، ج ١٠،ص ١٧٢. ولا أحد يستطيع الإعتراض على القدرة الغيبية، فالإمام زين العابدين عليه السلام يدعو " اللهم رضني بقضائك حتى لا أحب تأخير ما عجّلت ولا تعجيل ما أخّرت لعلمك بعاقبة الأمور كلها ".
الرضا يكون بطيب خاطر عن كل ما ابتلانا به الله، فكل ما قضى الله علينا به من عطاء أو نقص هو ابتلاء، سواء أكان ذلك في الصحة أو المال أو الأمان .. فالله سبحانه وتعالى هو العاطي والشافي والرازق والمانع .. ومشيئة الله فوق مشيئتنا، وإرادته فوق إرادتنا، يقول الله سبحانه وتعالى: { قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }[ سورة التوبة، الآية: ٥١ ]
هناك وجهان للمرض الجسدي: مرض نصنعه نحن بأنفسنا ومرده سلوكيات خاطئة تحدث نتيجة أفعال وأعمال من صُنْع الإنسان نفسه. ومرض ابتلاء واختبار أو عقوبة من الله سبحانه وتعالى، وسببه مجهول في علم الطب، وهو ما يعنينا هنا، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في هذا المجال: " المرض سوط الله في الأرض يؤدب به عباده" وفيه من الفضل والخير لمن يصبر عليه، ويرضى بقدر الله فيه، والكثير من الناس يبتلى بالمرض لكنه قد ينسى ما في المرض من منح، إذ المرض في منظار الروايات المأثورة منحة لا محنة، فإذا صبر المسلم عليه تُكَفَّر سيئاته، وتزداد حسناته، وترفع به درجاته.
ما أجر المريض؟ رواية عن النبي صلى الله عليه وآله يخاطب أمير المؤمنين عليه السلام - والهدف تعليمنا نحن - قال:" يا علي أنين المؤمن المريض تسبيح وصياحه تهليل ونومه على الفراش عبادة فإن عوفي يمشي في الناس وما عليه من ذنب" (المصدر: بحار الأنوار) .
الأجر الذي يحصل عليه المريض مربوط أو مشروط بشرط واحد، رواية عن إمامنا الصادق عليه السلام " من مرض ليلة فقبلها بقبولها كتب الله له عبادة ستين سنة، قيل له: ما معنى فقبلها بقبولها؟ قال: لا يشكو ما أصابه فيها إلى أحد " وسئل الإمام عن حدّ الشكاة للمريض، فقال أن الرجل يقول: " لقد حممت اليوم وسهرت البارحة وقد صدق، وليس هذا شكاة، وإنما الشكوى أن يقول: لقد أصابني ما لم يصب أحدًا .
عاد أمير المؤمنين عليه السلام سلمان الفارسي فقال: يا أبا عبد الله كيف اصبحت من علتك؟ فقال يا أمير المؤمنين احمد الله كثيرًا واشكو اليك كثرة الضجر، قال فلا تضجر يا ابا عبد الله فما من احد من شيعتنا يصيبه وجع إلا بذنب قد سبق منه وذلك الوجع تطهير له من الدنب .
كان أمير المؤمنين عليه السلام " إذا رأى المريض قد برئ قال له: " ليهنئك الطهر من الذنوب " وهذه رحمة الله فكل قضاء من الله خيرًا للمؤمن سبحانه أعظم من يصيب عباده بالاسقام عبثًا لا شك أن له حكمة. « إلهي لا تُؤَدِبْنِي بِعُقُوبَتِكَ » تأديب الله للإنسان تارة يكون بتسييس هذا الإنسان خطوة خطوة نحو الفضيلة والعودة إلى حضيرة الإيمان والصلاح، وتارة بالابتلاء المتدرج، لعل في هذا الابتلاء أو ذاك عامل تنبيه وتذكير، لأن يقلع من عاداته المسخطة، وأخرى بالعقوبة. والمنطق يقضي بأن العقوبة تأتي متأخرة، حينما لا تجدي الوسائل الأولية من نصح، وإرشاد، وتأنيب، وتقريع، وعادة ما يصاحب العقوبة غضب المؤَدِب، وعدم رضاه. كما أن العقوبة إما عاجلة، وإما آجلة، أو مشتركة ( عاجلة وآجلة) . والجملة ضمنًا تحمل الطلب من الله بالتسديد والهداية؛ لتجنب كل ما يقتضي العقوبة.
إلهي لا توصلني إلى درجة من السوء والرداءة بحيث لا تؤثر فيَّ النصائح والإرشادات، ولا تؤدبني الابتلاءات، إلهي تلطف عليَّ بألا أتعرض لغضبك؛ لأن العقوبة منشأها الغضب، وأنا غايتي رضاك لا رضا غيرك .
نسأل الله عز وجل أن يشافي مرضانا ومرضاكم ومرضى المؤمنين والمؤمنات وأن يرحم موتانا وموتاكم وموتى المؤمنين والمؤمنات يارب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد.
_________
من علامات المؤمن الصبر على البلاء وتقبل أمر الله بالرضا والقبول الحسن، وسيلته الدعاء .. فالدعاء سلاح المؤمن في الأزمات والمحن، حيث يتجه المؤمن إلى خالقه سبحانه، ويرفع يديه ذليلًا خاضعًا مسكينًا مستكينًا راضيًا بقضاء الله وقدره، حتى يُقال أنه يوم القيامة يُؤتى بصاحب البلاء الذي قد أصابته الفتنة في بلائه فيقول ياربّ شددت عليّ البلاء حتى افتتنت ويؤتى بأيوب فيقال له: أبليتُكِ أشد أم بلية هذا فلقد أبليته ولم يُفتتن، والافتتان هو اليأس من فرج الله فنقع في المعاصي ونخرج عن طاعة الله سبحانه .
محبكم/ منصور الصلبوخ.
تعليقات
إرسال تعليق