#خاطرة_الجمعة « أزمة وعي مجتمعي » / ا. منصور الصلبوخ


 #خاطرة_الجمعة « أزمة وعي مجتمعي » 

✍️ نصادف بعض الأحيان أناسًا منساقين بقناعات تتصف بالحدة، والنظرة المحدودة، وضيق الأفق .. تصورات لا منطقية، فمثاليتهم متحجرة - إن صح التعبير - حين نسمع عبارات مثل « على أصدقائي قبول آرائي » و « على الأهل أن يؤمنوا أن ما أفعله هو الصحيح » و «على الكل أن يقدم لي الإحترام ويشملني بالحب» هي سلوكيات لا عقلانية، تشير بوضوح إلى عدم الاتزان، مثل تلك العبارات تتكرر وتستحود على تفكيرنا ونتعايشها كواقع مسلم به.  

لا شك أن تفكير الإنسان مرتبط بمستوى خبرته وثقافته وتعليمه وأخلاقه وإيمانه وأنسانيته. 

أن الإصرار على القبول التام للأراء والأفكار بغض النظر عما قد تنضوي عليه من مفاهيم وحقائق قابلة لأن تكون حقًا أو تكون باطلًا، لا يمكن لعاقل أن يركن لقبولها مباشرة دون الاطمئنان لصوابها، فالتسليم بالأراء أو الأفكار دون حوار ومناقشة لا يقود إلى الحقيقة العزيزة التي لا يكبرها شيء !!

طرح الرأي والإصرار عليه من الأمور التي تفسد التفكير السليم، فالإنسان السلبي هو الذي يمنع أي منطق للمناقشة والحوار، للوصول إلى الحجة المبنية على المعرفة، فالحكمة ليست حكرًا على أحد، والرأي السديد يمكن أن يكون في متناول كثرة من الناس.

أكثر العيوب التي تستفزني في هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يملكون مفاتيح الحكمة، وقد يكونون مميزين بحق، لكن إحساسهم بالتميز يبعدهم عن باقي الناس الذين يبدون من وجهة نظرهم أقل ذكاءً أو نجاحًا أو علمًا. 

تعجبني تلك الحكاية التي تروى عن شاب في مقتبل العمر ذهب إلى شيخ القرية يسأله النصيحة: « كيف أصبح حكيمًا حتى يثق الناس بي ويعاملوني كصاحب لهم؟» صمت الشيخ لوهلة متفكرًا ثم أجاب: « يا بني، إن الحكمة لا تعني أنك تعرف كل شيء، أو أن لديك إجابة لكل الأسئلة، الحكمة تعني كيف تتعامل مع الناس. وتذكر عندما يأتي أحدهم من أجل النصح فعليك بأشياء ثلاثة: الأول أن تنصت، والثاني أن تفكر، والثالث أن تجاوب، فإن أتى إليك شخص أنصت إلى سؤاله، وأشكره على اللجوء إليك، فكر جيدًا في سؤاله، ربما تأتيك إجابة وربما لا، لكن قيمتك بين الناس ستأتي من أنك فكرت وحاولت المساعدة، وعلى رغم اعترافك بأنك لا تعلم كل شيء فإن اسمك بين الناس سيقترن بالقدرة على الإنصات ومن منا لا يحتاج إلى من ينصت إليه » .

ما يمنع الناس أن يختلفوا في الآراء والأفكار دون أن يبالغ كل مخالف في تقدير ما انتهت إليه فلسفته الخاصة إذا كان مخلصًا بحق لمبدئه لا لشخصه. فقد عرفنا أناسًا لا يقبلون أفكار الغير وآراءهم، فتراهم يصيغون تفكيرهم بلون مزاجهم وهواهم، هؤلاء منشغلون بشكل دائم بتحقيرهم لمواقف وآراء الآخرين، ويرون أن آراؤهم هي الصحيحة، فيتصرفون بطريقة فيها عدم تقبل الآراء المختلفة، مثل هؤلاء الأشخاص الذين يبدون مختلفين اختلافًا كبيرًا عن الآخرين، هم أسرى الوهم والغرور .. يرون أنفسهم على حق والآخر على باطل، { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } سورة البقرة،آية٤٢. وأصحاب هذا الفريق يصيغ تفكيره بلون مزاجه وهواه، فلا يقبل رأيًا معارضًا لا يتفق وهواه، ولا يستمع لقول ينفر منه مزاجه، يقول الإمام علي عليه السلام: « أشجع الناس من غلب هواه » (ميزان الحكمة،ج١٠،ص١٤٣)، هؤلاء يحاولون التعويض عن مشاعر النقص المترسخ في عقولهم عن طريق إظهار تفوقهم الشخصي، بفرض أحكامهم الخاصة على الآخرين، هم دائمو التوتر أو القلق العصبي والجمود الفكري، هم في النهاية أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية واضحة.

- ندعو الله جل وعلا أن يبارك في أرزاقنا، وأن يكفنا شر أنفسنا، والسعادة من نصيبنا، ويبعد عنا مايكدر خاطرنا، والشفاء العاجل لمرضانا، والرحمة والغفران لموتانا وموتى المؤمنين والمؤمنات بحق محمد وآله الأطهار .

 طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد. 

_________

- نتخلى عن رغبتنا في إقناع الآخرين بوجهة نظرنا، فهدفنا ليس الانتصار أو فرض آرائنا على الآخر في موقف ما، بل فهمه والاستفادة من هذا الفهم، فكل شخص لديه خبرات مختلفة عن غيره، وبالتالي قد نتعلم منه أشياء، نحن لا نبحث عن قيمتنا الذاتية من الآخرين، قيمتنا الذاتية تنبع من احترامنا لأنفسنا وثقتنا بها، قيمتنا تنبع من عملنا الصالح وتواصلنا مع ذواتنا العليا وتقوى الله.


محبكم/ منصور الصلبوخ.

تعليقات