من روابي اللغة العربية تُزهر الحروف وتُجسدها الكتابة.....
فالكتابة تحتاج الى جُهدٍ ذاتي ينبع من أعماق الكاتب كيما يستطيع توظيف الصّيغة الأدبية في نصٍّ يُترجم هويّتها اللّغوية في قالب من الحضور المتميّز، وعليه قد يجد الكاتب المتمرّس نفسه تسهبُ في كلماته ، أو قد يغيّر ويبدّل تلك المعاني في مضامين تخدمه ليبلغ هدفه، وإن كان كاتباً مخضرماً وضليعاً في اللغة والأدب، واستطاع أن يُحكِم سيطرته على الكلمة ،وتمكّن من كتابة سطر شرحه يحتاج لصفحات وفهم الآخرين له وقد يحتاج إلى رؤى متبانية وفق قراءة كل واحد منهم ووفق قدرته على الفهم والاستيعاب، فالكلمات واحدة ولكن يوجد تفاوت لدى القارئ، وذا ما يُترجمه "الإعجاب" أو نقيضه من "النبذ والانتقاد"، وهنا نتوقف مع "القارئ" بعيون "الكاتب".
البعض يقرأ لأجل القراءة، حيث يجدها منهلاً تزيده علماً وثقافةً وتوسّعاً في إدراكه الفكري، فتفتح له أبوابًا كثيرة من خلالها يلج إلى مختلف المكنونات المعرفيّة، تلك التي كانت بالنسبة اليه معدومة ، أو غير واضحة ولم تكن جلية. هذه الشّريحة من القرّآء ، يواصلون قراءتهم بتعمّق حتى وإن كانت المادة المقرؤوة مخالفة لآرائهم، وأكثر من ذلك؛ فإنهم يعيشون في مناخ جدل بين مختلف الأفكار لمعرفة الحقيقة، في نقاش معرفيٍ مُتجرد للوصول إلى نقطة الصّفر . ومع ذلك يكون هناك احترام للكاتبَ من جهة القارئ وإن كان مخالفاً لفكره. فالقارئ احترم فكرَ ورأي الآخر دون تجريح، مثل قولنا :
اختلاف الرأي لايُفسد للود قضيّة.
في المقابل؛ هنالك شرائحُ أخرى نجدها تقرأُ لأجل النّقدالموضوعي ، والذّي هدفه الوصول إلى الحقيقة، وإصلاح أيَّ خطأٍ سوى أكان لغويّاً ، أو فكرياً، أو عقائدياً، أو تاريخياً.. وغيره ، وذلك باستدلالٍ منطقي عقلي لا شبهة فيه، وهذا يُطلقُ عليه "النّقد البنّاء" والذّي يسمو بذواتنا نحو الإبداع الفكري، وهذا ما يُثري الكاتب ويُحفزه أكثر فأكثر.
وهناك من يقرأ لأجل النقد فقط، والذّي يصاحبه تجريح للكاتب وتهجم على فكره وأحياناً على شخصه، وكأنّ الكاتب عدو القارئ اللّذوذ! حيث يكون النقد غير موضوعي، ولا يخدم أي فكرة واضحة المعالم، ولا يستند لدلالات قطعية، بل يعتمد على حُججٍ ظنيّة يُرجح القارئ صوابها أو ربما يعتقد بصحتها، و قد يوافقه فيها من لادراية له في العمق الموضوعي للكتابة من القُراء ، وقد يختلف معه قُراء آخرون، والنتيجة الأكيدة تتمثل في حدوث بعض السلبيات الموضوعية والنّفسية التي تُلقي بظلالها على الكاتب بسبب ذلك التباين ما بين القُراء، الأمر الذي يترك أثره على الكاتب سواء أكان سلباً أو إيجاباً فإنه يؤثر على درجة إيمان الكاتب بفكره ومضامينه التي يطرحها .وهنا نتوقف لنُضيئ على صنفين من المُغربلين، صنف مُنصِف وآخر مُجحِف، المغربل المُنصف يضع على عاتقه إظهار الحقيقة كيما تتجلى كالنور في حُلكة الليل المظلم. وأما الصنف المُجحف فهؤلاء يستخفون بالكتابات الجادة الهادفة ذات الفكر النير ويُحاولون تهميشها.
بعيداً عن ذلك؛ وقريباً من نوع جميل جداً من القرّاء، هؤلاء يقرؤون أيّ شي يقع ما بين أيديهم، ويمتلكون حافظة قوّية، وأسلوب قصصي جذاب فيه روح تجعل المُستمع يأنس بمجالستهم، والإصغاء لكلامهم، حيث يكون لهم جاذبية خاصة وحضور علمي معرفي ثقافي أدبي خاص بسبب معارفهم وأسلوبهم الشيق الذي لا يعرف السأم بسبب ما تحتويه حافظتهم الذهنية من قصص شتى، في مجالات الحياة المتنوعة بتنوع ما قرأته أعينهم، واستقر في أذهانهم، ورسخ في ذاكرتهم.
فالقرآءة إذن ؛ منهل ثقافي ترقى وتحيا به الأمم ، وتزهو به الحضارات ، وعماد رئيسي يحملَ هموم المجتمع.
فكما الكاتب يؤلف ويطرح ما يعتمر في عقله وفكره، كذلك القارئ له دور مكمل لا يُستخف به.
فالنكن أمّة تُقرأ .... حتى لا نموت !
( ✍️ علي حسن الخنيزي )
تعليقات
إرسال تعليق