د. فؤاد السني/ "هل ينفع الصوم المتقطع عن وسائل التواصل؟"

لا حاجة لذكر ارقام مستخدميها ولا نسبهم ولا معدل المدة التي يصرفها كل شخص فيها ولا لتوزيعهم الجغرافي، فمعظمنا شهود على ما تسببه وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة. ويوما بعد آخر ، تتعزز لدينا الحاجة لمعالجات عملية وحقيقية لما تسببه وسائل التواصل الاجتماعي من كسر للمحددات الثقافية والفكرية والاخلاقية مع النفس وفي التعامل مع الاخرين.

وكلما مر الوقت، تبين ان ما يقدمه في المستقبل القريب هو اسواء مما قدمه حتى تاريخه، فتتصبر الانفس على سوء ما قدموه، وينشغلون بآخر ما قدمه بدعوى التعامل معه بالتصدي له لمن يتلمس سوءه ، والاحتفاء به ليكون اول المستخدمين ان كان من مناصري جديده هذا.
ربما يروق لبعضنا تشبيه ما تقدمه منصات التواصل الاجتماعي هذه ، والتي تخطت الحاجة المعقولة لبني البشر ، واصابت المستخدمين بتخمة المادة المكتوبة والمصورة والمسموعة والفكرة السيئة، بتخمة الاكل التي تفرز ما تفرزه في ظاهر الجسم وباطنه. هذه تترجم مساوئها سمنة وزيادة وزن وتخمة وخسارة اموال ومراكمة مسببات الامراض، وتلك تترجمها تشتت الذهن وضياع الوقت، وسطحية التفكير والانعزال وكسب سلوكيات سيئة وعادات غير مألوفة ، وتسلب منه ارادته في الكثير من مواقف الاختيار مع مرور الزمن.
اجترع المختصون معالجات كثيرة للاعراض والمساويء التي تترجمها الاستزادة من الاغذية باكثر من حاجة الجسم لها، فهل يمكن اجتراع معالجات لما تسببه منصات التواصل من مساويء على مستوى الفكر والنفس والبدن؟ وهل الصوم ، "المتقطع" احداها؟
خلال الفترة القصيرة التي لا تزيد عن شهر، طرحت تقنيتان افضل ما يوصف كل منهما انهما ادوات تفاهة ولهو وبلا مردود يترجى منه ان يكون مردودا ايجابيا. بل كونه تافها يكفي لتصنيفه بالسوء.
يطرح في الاسواق الان، تطبيقات متنوعة ويتباهون ويتسابقون بينهم في تسويق جودتها بين المستخدمين. المهمة التي يقوم بها احد هذين التطبيقين يصعب كتابة تفاصيلها. فالتطبيق اسوء من السلبيات التي ذكرت فيما مضى من تسببها في التشتت والامراض النفسية واهدار الوقت وتوفير المعلومات الشخصية وحصار الفرد بالاعلانات الموجهة. كل هذا في كفة والتطبيق الاول المعني بتمكن المستخدم من التلاعب بالصور في كل شيء وحذف اي شيء منها في الكفة الاي تمثل البرامج والتطبيقات التي تقوم بذلك. فالتطبيق هذا انزل في الاسواق بمسميات مختلفة ومزودة بالذكاء الاصطناعي ليساعدها على مهمتها الاساس: نزع كل شيء على حدة من الصور!! ولكم تطلقوا الخيال فيما يمكنه القيام به عند قول "نزع كل شيء". نعم هو مخصص لذلك فعلا، والباقي (كل شيء). هو تمويه وتغطية ليس الا.
اما التطبيق الاخر، فهو تطبيق صوتي. يمكن المتحدثين عبر الاجهزة الذكية وبواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي من اطلاق الاحكام على مشاعر المتحدث في الطرف الاخر ان كان يحمل لمحدثه مشاعر محبة ومودة ام مشاعر كره وعداوة فقط من خلال المحادثات الطبيعية!!
ولكم تخيل ما يمكن ان يسببه امثال هذا التطبيق بين المتحدثين وخصوصا بين الازواج وبين الاصدقاء وبين زملاء العمل وبين الجيران وغيرهم
لكم ان تستحضروا هذه المساويء التي ادخلتها الاجهزة الذكية ، ومعها استحضار ما تعرفونه عنها مسبقا من تشتت التركيز والعزلة والامراض النفسية والسطحية في التفكير وامكانية التماهي مع بعض ما يعرض. ومعها ايضا ، نحتاج ان نستحضر التفكر فيما يجب ان يكون دور كل واحد. فالامر جدا جدي وجدا جوهري في تربية الاجيال. فاضافة لاقران المدرسة الاي تؤثر على سلوكياتهم، هنا قرين آخر يقضي باقي اوقات اليوم معهم متمثلا في الاجهزة الذكية.
فهل حان الصوم الاختياري عن الحضور في المنصات المختلفة التي تسلب الفرد المبادرة في تحديد ما يريد ان يراه او يقراءه او يسمعه المستخدم وبدون مشاغبات وبدون اختراق للخصوصيات وباطمئنان انه لن يجد ما يعكر صفو ذهنه وتفكيره وشاشته!! وهل حان الوقت للحضور الذكي من قبل المختصين من تربويين ومفكرين ومثقفين وأصحاب رأي، في هذه الوسائل ليس من اجل انفسهم بل من اجل خلق محتوى يكون جاذبا وربما منافسا لما تضج به هذه المنصات من السوء.
ولكل ان يسال نفسه ويطلب الاجابة بأمانة: ماذا لو توقفت عن كل حساباتي في وسائل التواصل لمدة وجيزة؟ ووطنت نفسي على تقبل ذلك؟ ثم زودت المدة التي اتوقف عنها؟ والى ان اتوقف تماما!! ما الذي سيخسره من عطايا المنصات هذه؟ وهل يمكن تعويضها بافضل منها؟ وفي المقابل ، ما الذي سيربحه من تمكن في ادارة وقته مستقلا وتحديد خياراته مستقلا وجعل المنصات طوع امره لا ان يكون قراره طوع امر وملكا لتاثير الدعايات التي تتسلل لا اراديا لقراره.
وربما مع الوعي والحكمة والجدية والموضوعية، نتمكن من خلق حالة من التوازن النفسي وتغليب طببيعة الاشياء على مصطنعها!
وجمعتكم طيبة مقبولة
فؤاد محمد السني

تعليقات