الشيخ د.إسماعيل المشاجرة/ ليلة ١ محرم ١٤٤٥هـ / الشعائر والهوية الإجتماعية

 


الشيخ د.إسماعيل المشاجرة 

ليلة ١ محرم ١٤٤٥هـ 

الشعائر والهوية الإجتماعية

🖊️🖊️فريق صدى المنبر 

🖌️تحرير: حكيمة آل حماد

يقول الله تعالى: 

﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ  مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ  هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾

📌هذه الآية القرآنية من  أجمل الآيات القرآنية التي أكدت على عنوان المسلمين، فيمكن أن نعتبرها من أهم الآيات التي أكدت على الهوية والانتماء للدين الإسلامي، ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾

 📌واختلف المفسرون حول المقصود من قوله ( هُوَ)،  فمن هو الذي سمى هذه الأمة- المتبعة للأنبياء والرسل وعلى الأخص خاتم الرسل -سماهم بالمسلمين؟

 📌بعض المفسرين قال: بأن (هُوَ ) يعود إلى إبراهيم (ع) ، فهو الذي سمى الأمة المؤمنة المصدقة المتبعة لتعاليم الأنبياء والرسل بالمسلمين، ولعل الآية القرآنية الأخرى تشير إلى هذا المعنى، حينما يأتي على لسان إبراهيم وإسماعيل:

(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)

 فكأنما هنا يطلق إبراهيم هذه التسمية على نفسه وعلى ابنه وعلى الثلة  المؤمنة التي ستأتي من ذريته يسميها أمة مسلمة.

 📌بعض المفسرين يقول من الواضح أن قوله تعالى: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾،  يعني إبراهيم بلحاظ هذا المقطع الوارد على لسان إبراهيم في آيات قرآنية أخرى، إلا أن رأي أغلب المفسرين -إن لم يكن كل المفسرين -أن  المقصود من ( هُوَ) هنا الله سبحانه وتعالى.

 📌روايات عن ابن عباس (رض) وعن غيره  تؤكد بأن ( هُوَ)في الآية المباركة؛ المراد به هو الله سبحانه وتعالى، فالله هو الذي سمى الأمة المتبعة المصدقة للأنبياء والرسل بما فيهم خاتم الأنبياء هو الذي سماهم المسلمين، ودعاء إبراهيم إنما هو طلب أن يصبح تحت هذا العنوان الذي سماه الله ، فحينما يقول: ( وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) يعني أدرجنا ضمن هذه التسمية الشرفية التي شرفت بها من يتبع آياتك وبيناتك و أنبيائك ورسلك ويصدق بكتبك ويؤمن بك وباليوم الآخر.

 📌فإذن الرأي الأغلب أن الذي سمى الأمة المصدقة المتبعة للأنبياء والرسل بالمسلمين ؛هو الله سبحانه وتعالى ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾

  📌وهذا يعني أن هذا الانتماء وهذا العنوان وهذه التسمية صادرة من الله سبحانه وتعالى، وبالتالي حق لنا أن نجعل هذه الآية المباركة مدخلا للحديث عما عنوناه بالهوية الاجتماعية والشعائر.

 🔹نريد أن نتحدث عن الهوية الاجتماعية وعن موقعية الشعائر من هذه الهوية ودورها وآثارها في ترسيخ الهوية الاجتماعية، ولذلك نحاول أن نتحدث حول هذا العنوان ضمن ثلاثة محاور مقترحة:

 1️⃣المحور الأول نتحدث فيه حول الشخصية الفردية والشخصية المجتمعية، وهذا المحور تمهيدي للمحاور اللاحقة.

 2️⃣المحور الثاني نتكلم عن الهوية الاجتماعية ومقوماتها ومكوناتها، ما هي أهم مكونات الهوية الاجتماعية ،وما هي أهم مقومات ومرسخات الهوية الاجتماعية.

 3️⃣ المحور الثالث نتحدث عن موقع الشعائر من الهوية الاجتماعية.

 1️⃣المحور الأول:

 يزعم علماء الاجتماع -وهم محقون في هذا الزعم- بأن هناك صنفين من الشخصيات، في الحياة الاجتماعية؛ الشخصية الفردية والشخصية المجتمعية.

 ما هو المقصود من الشخصية الفردية؟ ثم ما هو المقصود من الشخصية المجتمعية ؟.

💫عادة يطرق باب علم النفس لمعرفة المقصود من الشخصية الفردية؛ لأن بحوث الشخصية يعنى بها علم النفس.

 طرح علماء النفس  تعريفات عديدة للشخصية الفردية أوصلها بعض الباحثين إلى أربعين  تعريفا، لكن من أهم هذه التعاريف تعاريف ثلاثة نطرحها بشكل سريع .

✅التعريف الأول يقول: (المقصود من الشخصية هي مجموع السمات الجسدية والنفسية المكتسبة والموروثة، ومجموع  التقاليد والقيم والعواطف التي تتمازج فيما بينها لتشكل ذات واحدة) و هذا تعريف واضح وجميل.

 ما هي شخصيتك ؟هي عبارة عن مجموعة من السمات الجسدية؛ تمتاز بقوام جسدي خاص وبهيئة وصورة خاصة، وصفات أو سمات نفسية. 

-إذن مجموعة من السمات الجسدية والنفسية، هذه السمات الجسدية والنفسية إما مكتسبة تكتسبها من المحيط، أو متوارثة وصلت إليك من خلال الأبوين بالوراثة، مضافا إلى مجموعة من القيم والمبادئ التي تؤمن بها؛ معتقدات، مبادئ، وقيم أخلاقية، وكذلك تقاليد وعادات نشأت وتربيت عليها، وكذلك عواطف تمتزج في داخلك، تتفاعل هذه الأمور بأجمعها لتشكل ذاتا فريدة تختلف عن الذات الأخرى ،فلكل واحد منا شخصيته التي يمتاز بها عن شخصيات الآخرين.

✅تعريف آخر يقول: (الشخصية هي مجموع السلوكيات الظاهرة والكامنة )

وهذا التعريف يركز على السلوك، ومن خلال السلوك أنا أستكشف شخصيتك.

✅تعريف ثالث وهو أجمل من التعريفين السابقين يقول: (الشخصية هي مجموع المفاتيح التي من خلالها نتنبأ بكيفية سلوكك، ومتى يصدر عنك هذا السلوك وما نوع هذا السلوك)

 هذا التعريف المهم يوقفنا على أهمية الشخصية ومعرفة الشخصية، من خلال التعرف على شخصية الفرد ومزاجه وطباعه نتعرف على مفاتيح التعامل معه، ونتستطيع أن نتنبأ بسلوكه ونوع سلوكه، وتوقيت سلوكه. 

معرفتنا بشخصيات الأفراد تجعلنا قادرين على التنبؤ بسلوكهم وهذا معنى غاية في الأهمية. 

📚ولذلك يحدثنا التاريخ بمشاهد ومواقف، وأحيانا تكون مواقف حاسمة تبنى  فيها الأحداث على ما نتنبأ به من سلوك من الفرد المؤثر في الحدث.

 ✅مثلا في التاريخ الإسلامي حينما دخل النبي الأكرم (ص) إلى مكة فاتحا ، وأصبح المشركون -الذين ناهضوا النبي وواقفوه وجاهدوه في يوم بدر ويوم أحد ويوم الأحزاب- أصبح كل هؤلاء تحت قبضتة، واستولى على بيوتات مكة، وأصبح جميع كبار المكيين وبقية القرشيين كلهم تحت سطوة النبي (ص )،فوقف فيهم خاطبا :ما تظنون أني فاعل بكم ؟

✅من يقرأ سيرة النبي من المسلمين أو من غيرهم هل كان يتوقع من النبي في ذلك الموقف أن يعْمل السيف؟ أن ينتقم أو يتصرف تصرفا عدائيا؟ أم أن معرفتنا بشخصية النبي من خلال سيرته ومواقفه وخلقه العظيم وتوصيف القرآن له:

  ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )

 تجعلنا نتنبأ جميعا في ذلك الموقف بأن النبي (ص )قراره الحاسم في تلك اللحظة سيكون العفو عن المشركين، فحينما سمع بعض أصحابه ينادى: (اليوم يوم الملحمة) نهاه وقال :اجعل هتافكم( اليوم يوم المرحمة).

 إذن معرفتنا بسلوك شخصية النبي وطباعه وسماته الخلقية والنفسية تجعلنا على يقين بأن النبي سيعفو عن هؤلاء، فنتنبأ بسلوكه نتيجة معرفتنا بشخصيته، ولذلك حتى المشركين -الذين هم ألد أعداء النبي- تنبؤوا بموقف النبي، فقالوا: (أخ كريم وابن أخ كريم)، يعني لا نتوقع منك إلا الكرم والصفح و العفو، ولذلك قال لهم: ( لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم  الطلقاء).

 ✅موقف آخر نأخذه من سيرة عاشوراء من سيرة الإمام الحسين؛ حينما التقى الحر وأصحابه بالحسين في طريقه إلى الكوفة ؛تقول الروايات بأن الحر وأصحابه في تلك الساعة كانوا في أشد حالات العطش، أوشكوا على الموت والهلاك.

 لقاء الحر بالإمام الحسين ما كان فقط لقاءا سياسيا مدروسا، وإنما كان لقاءا اضطراريا أيضا.

 الحر كان مضطرا أن يلتقي بالإمام الحسين؛ لأنه أوشك على الموت هو و أصحابه من شدة العطش، وهذه من المفارقات؛ يبحث عن الإمام الحسين ليتخذ منه موقفا عدائيا، وأيضا قصد معسكر الإمام الحسين ليستنقذ به من حالة العطش التي ألمت به وبأصحابه.

 مالذي يجعل الحر يطرق باب الإمام الحسين ويطلب منه أن يبذل له ولأصحابه الماء؟ هل كان الحر أو أصحابه في ذلك الوقت يتوقعون من  الإمام الحسين يعمل فيهم السيف ويمنعهم من الماء ؟ وهو ابن أمير المؤمنين الذي  في يوم صفين عندما منع معاوية عليا وأصحابه من الماء، وتمكن الإمام من الماء ،بذل الماء لمعاوية وأصحابه، فإذن هناك تنبؤ بسلوك الإمام الحسين ومعرفة بشخصيتة، فهو من سلالة أمير المؤمنين ومن سلالة رسول الله الذين لا يمكن أن يصدر منهم في هذا الموقف إلا موقف التسامح، والموقف الإنساني المتناسب مع مكارم الأخلاق، ولذلك طلب الحر وأصحابه من الإمام الحسين أن يسقيهم الماء وهم على يقين بأن الحسين سيسقيهم.

 🔸مقابل الشخصية الفردية هناك شخصية مجتمعية.

 يقول علماء الاجتماع :(كما أن للفرد شخصية ؛المجتمع برمته الذي ينتمي إليه أفراد عديدون، هؤلاء الأفراد أيضا تجمعهم شخصية واحدة مجموعية يعبر عنها بالشخصية المجتمعية).

 🔸مالمقصود من الشخصية المجتمعية ؟

يوجد اتجاهات عند علماء الاجتماع: 

🔺الاتجاه الأول يقول: (بأن المجتمع له شخصية اعتبارية منحازة عن شخصيات الأفراد، فيصور هؤلاء بأن المجتمع عبارة عن إنسان مجموعي كبير في قبال الأفراد الصغار الذين يمثلون هذا المجتمع، فالمجتمع عبارة عن إنسان مجموعي كبير له مزاجه وطباعه الخاص، وله إرادته الخاصة، وهذا المزاج الاجتماعي العام هو الذي يتحكم في الأفراد).

 أحيانا نرى  الفرد لايستطيع أن يتصرف ببعض السلوكيات ؛خوفا من ردة الفعل الاجتماعية، فلا يظهر في المجتمع بأي لباس يشاء ؛لأنه يعرف أن المجتمع قد يعيب عليه هذا السلوك، وقد تكون ردود الفعل شديدة وانتقامية منه، فلا يخالف العرف العام، بل أحيانا يتصرف بسلوكيات هو غير مقتنع بها، خشية من أن يعيبه المجتمع.

 نحن محكومون بإرادة اجتماعية كبرى تقهرنا على بعض السلوكيات و التصرفات. 

📍يقول علماء الاجتماع: هذه الإرادة  الكبرى التي تجبر الأفراد على سلوكيات خاصة؛ هي ما نعنيها بالشخصية المجتمعية، فكأنما هناك إنسان مجموعي كبير مهيمن على هذا المجتمع يفرض عليه إرادات ومواقف وسلوكيات، هذا الإنسان المجموعي الكبير هو ما يعبر عنه بالشخصية المجتمعية)

🔺مقابل هذا الاتجاه يوجد اتجاه آخر يقول لنا :(المقصود من الشخصية المجتمعية بكل بساطة ؛السمات والخصائص المشتركة للأفراد، كما إن لكل  فرد مجموعة من الخصائص يمتاز بها عن بقية الأفراد، توجد هناك مشتركات يشترك فيها جميع الأفراد، هذه الخصائص المشتركة التي يشترك فيها جميع الأفراد هي ما نعبر عنه الشخصية المجتمعية) 

 📍نحن مثلا كمجتمع إسلامي كل واحد منا له شخصيته الخاصة ومزاجه الخاص وسماته الشخصية الخاصة، لكن هناك أمور مشتركة تجمعنا جميعا، وهي مجموعة من المعتقدات كلنا نؤمن بها ؛فكل المسلمين يؤمنون بالله و بوحدانيتة، ويؤمنون بالأنبياء والرسل وبنبوة النبي الخاتم وأن شريعته هي الشريعة الخاتمة ،ويؤمنون بالمعاد وبأن الله يبعث الناس ليحاسبهم يوم القيامة، وهذه مجموعة من المعتقدات الدينية التي يشترك بها جميع المسلمين.

 كما أن هناك مجموعة من القيم والمبادئ الاجتماعية والإنسانية التي يؤمن بها جميع المسلمين ،فكل المسلمين يؤمنون بضرورة بر الوالدين والعطف على الوالدين والإحسان إلى الوالدين، وبحسن صلة الأرحام، و بقبح الظلم والجريمة، وهذه المبادئ الأخلاقية والإنسانية العامة أيضا جميعنا نشترك فيها.

 وهناك أيضا سلوكيات نشترك فيها جميعا نحن المسلمين؛ فعندنا صلاة نمارسها في كل يوم، وصيام في كل سنة؛ نصوم شهر رمضان، وشعيرة الحج أيضا، وهناك أيضا طقوس وسلوكيات و عباديات يمارسها المسلمون ويشتركون فيها جميعا.

 هذه السمات المشتركة هي التي تمثل الشخصية المجتمعية؛ فإذن نحن كمجتمع إسلامي توجد عندنا شخصيتان:  شخصية الأفراد التي يمتاز بها كل فرد عن الآخر، وفي المقابل هناك سمات شخصية نشترك فيها جميعا، هذه السمات الشخصية المشتركة هي التي تمثل الشخصية المجتمعية وهي ما نعبر عنها بالهوية.

 💥فالهوية إذن: هي تلك الشخصية المجتمعية التي تمثل سمات مشتركة عامة يشترك فيها جميع الأفراد، وهذه السمات المشتركة العامة التي يشترك فيها جميع الأفراد تمثل هوية واحدة ينتمي إليها جميع الأفراد، ونشير إليها بعنوان؛ فنقول الهوية الإسلامية، هويتنا الاجتماعية هي الهوية الإسلامية.

وأحيانا تنشأ هناك هويات أخرى ، هوية ناشئة عن الانتماء إلى عرق خاص كالهوية العربية مثلا ،أو هوية ناشئة عن الانتماء إلى بقعة جغرافية خاصة، الهوية الغربية ،هوية الشرق، 

إذن فالمقصود من الهوية الاجتماعية هي مجموع السمات المشتركة التي بها يمتاز مجتمع  عن المجتمعات الأخرى. 

 2️⃣المحور الثاني:

 نتعرف على مكونات الهوية الاجتماعية ومقوماتها 

هناك فرق بين الهوية الاجتماعية والهوية الدينية، لكن من أجل الاختصار نمزج الحديث عن هاتين الهويتين، لأن هناك الكثير من السمات والقوانين المشتركة التي تتصل بكلتا الهويتين على حد سواء.

 💥ما هي مكونات الهوية الاجتماعية الإسلامية وما هي مقوماتها؟ حينما نتفحص مكونات الهوية الاجتماعية نرجع إلى التعريف الذي ذكرناه سابقا، وهو أن الهوية الاجتماعية هي عبارة عن مجموع السمات المشتركة التي يشترك فيها جميع الأفراد، فنحن كمسلمين لنا سمات نشترك فيها جميعا، وبها يصح لنا أن يعبر كل واحد عن نفسه بأنه مسلم ينتمي إلى هذه الهوية وإلى هذا العنوان، 

وفي المقابل تجد هناك مجتمعات تمتاز بسمات مشتركة خاصة نتيجة انتمائهم لهوية دينية أخرى، كالهوية المسيحية مثلا والهوية اليهودية، والهوية البوذية.

💫إذن فكل مجتمع له سماته المشتركة التي يمتاز بها عن بقية المجتمعات؛ تصيّر منه هوية مغايرة للهويات الأخرى، وهذا يوقفنا على الخصوصية الأولى من خصوصيات الهوية الاجتماعية، وهو أن الهوية الاجتماعية كما أنها تمثل المشتركات للأفراد الذين ينتمون إليها، هي في حد ذاتها تمثل  حالة الاختلاف عن الهويات الأخرى، يعني أن هذه السمات التي نشترك بها، بها نختلف عن الهوية المسيحية، وبها نختلف عن الهوية اليهودية والبوذية، 

💫إذن فالسمات المشتركة للهويات هي بعينها تصبح محل الاختلاف مع الهويات الأخرى .وهذا يعني أنك في المجتمعات الأخرى إنما ينظر إليك من خلال هويتك.

 نحن داخل مجتمعنا نميز بيننا وبين بعض من خلال الشخصيات الفردية، لكن حينما نخرج من مجتمعنا ونخالط المجتمعات الإنسانية الأخرى لا يُنظر إلينا كأفراد، وإنما يُنظر لنا كممثلين لهويتنا الاجتماعية، فيقال هذا مسلم ولا يقال هذا زيد بن فلان. 

💫عندما  تذهب إلى الغرب أو إلى الشرق لا ينظرون إليك بعنوانك الفردي، وإنما  ينظرون إليك بهويتك فيقال: هذا عربي مسلم. 

📌إذن فإن الهوية الاجتماعية هي المعرِّف الأول لك في المجتمعات الأخرى، ولذلك بقدر ما يحافظ الفرد على سمات  هويته الاجتماعية بقدر ما تحترمه المجتمعات الأخرى.

 فالذي لا يعتز بهويته ولا بانتمائه  يفقد الاحترام والتقدير من المجتمعات الأخرى ويقولون عنه شخصية مهزوزة شخصية لا تعتز بانتمائها ولا بدينهاو لا بقيمها ولا بمبادئها.

📌فإذن أول خصوصية نتعرف عليها من خصوصيات الهوية الاجتماعية؛ أن هذه الهوية هي المعرِّف  الأول لك عند المجتمعات الأخرى، وبعبارة علمية أوضح :

الهويات الاجتماعية هي في حقيقتها تمثل أفراد  الامم في المجتمع الإنساني وفي الأسرة الإنسانية العامة، يعني نحن كأمم مختلفين في هوياتنا نحن ننتمي إلى أسرة واحدة هي الأسرة الإنسانية فنتعارف نحن الأمم في ما بيننا من خلال هوياتنا العامة، وهذا ما يقرره القرآن الكريم :

﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا﴾ 

يعني هذا الاختلاف في الهويات الاجتماعية والعرقية و الدينية سنة إلهية. 

📌أسس الله سبحانه وتعالى النظم الإنساني والنظم الاجتماعي على هذا الاختلاف والتمايز في الهويات، والقرآن صريح بأن هذا التمايز تمايز إلهي أراده الله، وله حكمة من هذا التمايز وهو التعارف، لو خلقنا الله جميعا نسخة واحدة طبق الأصل، لما أمكن للمجتمعات الإنسانية أن تتمايز، ولا أمكن لها أن تتعارف و تختلف، وبالتالي لا يمكن للمجتمع الإنساني أن يعمر الأرض،  فعمران الأرض و الاستخلاف في الأرض قائم على سنة التمايز والاختلاف وتعدد الهويات.

💥 الحداثة السائلة:

 الحداثة السائلة مصطلح اجترحه عالم اجتماع بولندي اسمه زيجمونت باومان يقول: الحداثة اليوم تجاوزت مرحلة عصر الحداثة وعصر ما بعد الحداثة، في تلك المرحلة كانت هناك حداثة يعبر عنها بالحداثة الصلبة،  واليوم المجتمع الليبرالي والمجتمع العلماني والمجتمع الرأسمالي والمجتمع الغربي غادر مرحلة الحداثة ومرحلة ما بعد الحداثة، وغرق فيما يعبر عنه بالحداثة السائلة).

 هناك رسالة مهمة جدا ترتبط بالغزو الفكري الذي يغزونا اليوم، و ترتبط بحالة العولمة التي يحاول من خلالها أن تصادر كل الهويات.

 أصبحت كل الهويات الدينية اليوم مهددة.

الحداثة السائلة بحسب تعبير هذا العالِم لا تعترف بالثبات، فكل القيم الإنسانية أصبحت في معرض التبدل، فنسمع اليوم عن محاولة تطبيع الناس مع المثلية وتطبيع مع الجندرية وتطبيع مع قيم ومبادئ كان الإنسان على مر التاريخ منذ أن خلقه الله وهو يعرف أنها مبادئ سيئة ومرفوضة تأباها  الفطرة الإنسانية.

 إذن نحن أمام أدلجة وعولمة يريد أن يصادر هوياتنا الاجتماعية والدينية وما نتمايز به، بل يريد أن يصادر هويتنا الإنسانية، ومن المهم أن نتعرف على حقيقة الهوية ؛حتى إذا تعرفنا على حقيقة هوياتنا الاجتماعية والدينية؛ نكون قادرين على حراستها وحفظها وعدم السماح بالعبث بها ومصادرتها،

 إذن فأول خصوصية من خصوصيات الهوية الدينية أو الهوية الاجتماعية ؛أنها هي واجهتك في المجتمعات الأخرى، أنت في المجتمعات الأخرى تعرف بأنك مسلم ،وهذ يجعل  الإنسان على طمأنينة.

 الإنسان الذي  يحاول أن يقدم نفسه على أنه حداثي و يتنصل من قيمه ومبادئه الدينية ،وأحيانا يشعر بحالة من الهزيمة الداخلية وأن التباهي والتظاهر بالقيم والمبادئ الإسلامية يقدمه للمجتمعات الأخرى على أنه متخلف وغير متحضر، نقول له :كن مطمئنا، فلو خلعت جلدك عن نفسك لن تنظر إليك المجتمعات الأخرى إلا بأنك مسلم ؛لأنك أنت في حقيقتك تنتمي إلى هذا المجتمع، وأنت شئت أم أبيت تحمل هذه الهوية .

🔸السمة الثانية :

مكونات الهوية الاجتماعية دائما تشكل العنصر الثابت للشخصية، ذكرنا بأن الشخصية الفردية هي عبارة عن مزاجك الخاص، لكن الشخصية المجتمعية التي تعبر عن الهوية هي عبارة عن المشتركات التي تتشابه فيها مع الآخرين .

💥لماذا صارت المشتركات مشتركات؟ لأنها تمتاز بالثبات، غير قابلة للتغير، معتقداتك قيمك الإنسانية عاداتك وتقاليدك الاجتماعية تراها ثابتة على مر العصور منذ مئات السنوات،  

منذ مئات السنوات و نحن نحافظ على هذه المعتقدات والقيم والمبادئ التي نؤمن بها والعادات والتقاليد التي تنسجم مع الدين ومع معتقدنا أيضا.

 إذن السمة الثانية من سمات مكونات الهوية الاجتماعية أنها ذات ثبات.

 ♦️بعض مكونات الهوية الدينية أو الاجتماعية قد تجد في المجتمعات الأخرى من يشترك معك فيها، ولكن بعض مكونات هويتك الاجتماعية تختص بها إنت دون غيرك.

 على سبيل المثال :حينما نتكلم عن الهوية الإسلامية كهوية دينية، توجد ضمن الهوية الإسلامية مشتركات أديانية تشترك فيها مع الأديان الأخرى، فحينما نتحدث عن الإيمان بوحدانية الله تعالى والإيمان باليوم الآخر، تشترك معنا فيه الديانات الأخرى. الديانة المسيحية واليهودية تؤمن بوجود الله و بوحدانيته وتؤمن باليوم الآخر،بغض النظر  عن التفاصيل والتحريفات التي طالت هذه الديانات، لكن في المجمل العام هذه السمات الدينية المشتركة يشترك فيها معنا غيرنا، وبالتالي تصبح مسؤولية الحفاظ على هذه المشتركات تشمل كل المجتمعات التي تشترك معنا في هذا الجانب

لكن هناك سمات إسلامية خاصة تختص بالمسلمين وحدهم، وهذا يعني أن مسؤولية الحفاظ  على هذه السمات الإسلامية الخاصة بالمسلمين هي مسؤولية المسلم وحده.

 💥حينما نتحدث عن الهوية الإسلامية ونقول بأن مكونات ومقومات الهوية الإسلامية، منها جانب اعتقادي، وهو الاعتقاد بوجود الله ووحدانيته، والاعتقاد بنبوة الأنبياء والرسل ،والاعتقاد باليوم الآخر ،هذا جانب اعتقادي قيمي.

 هناك مبادئ وقيم أخلاقية وإنسانية يؤمن بها المسلم؛ مثل حفظ الجوار وحفظ الأمانة والصدق و بر الوالدين وصلة الأرحام، وهذا الجانب القيمي تشترك معنا فيه حتى هويات أخرى إنسانية، 

وهناك جانب سلوكي يختص بالمسلمين هي عبادات وشعائر خاصة بالمسلمين، هذا الجانب مسؤولية الحفاظ عليه تختص بالمسلم وحده؛ لأن هذا الجانب يمتاز به المسلم عن غيره من الناس، بل عن غيره من الهويات الدينية الأخرى.

 عندنا حج وصيام وصلاة هذه الشعائر والسلوكيات والعبادات والطقوس يمتاز بها المسلمون عن غيرهم من المجتمعات ومن الأديان الأخرى، ومسؤولية الحفاظ على هذه الشعائر تقع على عاتق المسلمين وحدهم، فلا ينبغي لهم أن يفرطوا في هذه الشعائر ؛لأن بها تنحفظ هويتهم الإسلامية.

 اليوم هناك استهداف للشعائر؛ لأنها متى مااستهدفت هذه الشعائر الإسلامية بعنوانها العام ،أو الشعائر الإيمانية بعنوانها الخاص، محقت وصودرت  الهوية الإسلامية ومسخت الهوية الإيمانية.

 💥التيارات الغربية اليوم بسائر أشكالها وأصنافها تحاول تستهدف هذه الشعائر التي تمثل عنوانا أبرزا للهوية الإسلامية، كالحرب الشعواء التي تشن على الحجاب.

 📌أصبحت الوسائل الإعلامية والوسائل الفكرية اليوم، وكل المنصات والمنابر التي تحاول أن تطرح ثقافتها، تحاول أن تستهجن حالة الحجاب الإسلامي إما تحت عنوان تحرير المرأة والحركة النسوية، أواعتبار أن الحجاب فيه نوع من الخنق لحرية المرأة، أو تحت عنوان أن الحجاب يضايق إبداعات المرأة وإنجازاتها، فتصبح غير قادرة على الإبداع وعلى مسايرة الرجال في سوح الفنون وفي سوح الأنشطة الأخرى، وهكذا أساليب وألوان وأنماط مختلفة لمحاربة الحجاب.

 💥لماذا التركيز على الحجاب؟ 

لأن الحجاب شعيرة واضحة تميز المرأة المسلمة عن غيرها من النساء.

 فإذن الغرض هو استهداف الشعيرة بما هي شعيرة.

 🔹الشعائر باعتبارها سمة مشتركة من جهة، وباعتبارها سلوك يبرز هويتك من جهة أخرى، تصبح أهم المكونات  للهوية الاجتماعية؛ لأن الجانب الاعتقادي والجانب القيمي في الأغلب الأعم يكون جانب كامل، يعني جانب هادئ ، داخل في النفس، معتقد قلبي، أو قيمة تؤمن بها، لكن الشعائر ممارسات وسلوكيات وحالة جهرية علنية، فالتمثيل العلني لهويتك إنما يكون من خلال شعائرك.

 📍ولهذا ينبغي للإنسان المسلم أن يكون حذرا في كل شيء يستهدف شعائره. 

نحن كمجتمع إيماني و مجتمع إسلامي الحالة الشعائرية بارزة عندنا بشكل واضح، 

سواء على مستوى العبادات من صلاة وصيام وحج، أو على مستوى الاحتفاء بالمناسبات كالأعياد الإسلامية( عيد الفطر عيد الأضحى)، هذه المناسبات نبرز من خلالها  هويتنا الإسلامية.

✅نحن شيعة ومدرسة أهل البيت عندنا في أغلب أيام السنة احتفاء بأيام مواليد أهل البيت ووفياتهم، فهذه الاحتفاءات وهذه الشعائر المعلنة هي الواجهة الأبرز وهي خط الدفاع الأول عن هويتنا؛ لماذا؟ 

لأن هذه السلوكيات وهذه الشعائر هي التي تبرز من خلالها هويتك؛ وهي الواجهة الأولى لهويتك.

 📍يحاول اليوم من خلال تمرير مسيمات كثيرة  استهداف هذا الجانب ، فترى  سيل من المناسبات والأيام العالمية التي تمر علينا مثل :يوم المرأة ويوم الأم ويوم الحب ويوم العمال ويوم حقوق الإنسان ويوم الفلسفة العالمي ويوم اللغة العالمي ومسميات عديدة.

 💫من الجيد الاحتفاء بمثل هذه الأمور، ولكن متى ما تصادم هذا الأمر مع احتفائك بشعائرك التي من خلالها تبرز هويتك، وبدأت هذه الأمور تزاحم تلك، فلا ريب أن الأولوية لشعائرك.

 بعض الشباب يتفاعل مع هذه المسميات ومع هذه العناوين لا مانع من ذلك ، لكن لا أن  يصل به الأمر أن يستخف بشعائرنا الخاصة ويراها مظهرا للتخلف. 

البعض لديه تفكير منكوس يرى مثل هذه الأمور كأنما مظهر للتخلف ،

وهذا في حقيقة الأمر إنسان مهزوم، بدأت تُصادر هويته الإسلامية الخاصة، وبدأ ينزلق في هوية أخرى بعيدة عنا كل البعد،أن يحتفل المسلم بمناسبات كالكرسمس والهلوين وغيرها من المناسبات التي تختص بمجتمعات أخرى ضمن إطار ديني مختلف ،ويستبدل شعائره الخاصة بشعائر أخرى لا تنتمي إليه، هذا يكشف عن تخلخل في انتمائه لهويته، ويكشف عن عدم الاعتزاز بهويته. 

 ✅الاحتفاء بالشعائر الإسلامية العامة أو الشعائر الإيمانية الخاصة، هو الوجه الأبرز للحفاظ على الهوية والاعتزاز بها، خصوصا وأن هذه الشعائر وكل شعيرة لها رسالة خاصة، فشعيرة الحج رسالتها إعلان المساواة. جميع المسلمين يجتمعون في يوم واحد بلباس واحد على صعيدواحد، و يتجهون إلى قبلة واحدة، ويطوفون حول كعبة واحدة.

هذه الشعيرة تقدم قيمة المساواة على أنها قيمة إسلامية أصيلة والمجتمع الإسلامي ينادي بها. 

💫شعيرة الصوم رسالتها المواساة ؛ الإنسان المسلم يواسي الجائع والمحروم  والمحتاج، وهكذا فكل شعيرة تختزل في داخلها مجموعة من القيم والمبادئ التي من خلالها نبرزها إلى المجتمعات الأخرى. 

✅ولهذا رأينا مدرسة أهل البيت تتناغم بشكل واضح مع هذا المنهج، فتضيف على الشعائر الإسلامية العامة حالة إيمانية خاصة ومبادئ وقيم قد لا نجدها في الشعائر الإسلامية العامة، مثل الشعائر المرتبطة بالإمام الحسين. 

💥هناك قضيتان مركزيتان في مدرسة أهل البيت: القضية الأولى هي القضية الحسينية والقضية الثانية هي القضية المهدوية.

 لا تجد شيئا وردت فيه من الروايات مثل ما ورد في هاتين القضيتين، هناك  كم هائل من الروايات حول القضية المهدوية والقضية الحسينية؛ لأن هاتين القضيتين قضيتان مركزيتان في فكر أهل البيت، لأن ما تنطوي عليه هاتان  القضيتان مبادئ وقيم إنسانية قد لا نجدها في الشعائر الإسلامية العامة.

 مثلا مما تنطوي عليه القضية الحسينية والقضية المهدوية قضية المناداة بالعدل ورفض الظلم والجور وقضية نصرة المحرومين والمظلومين، هذا المعنى قد نفتقر إليه في الشعائر الإسلامية العامة، لكن عندما نأتي إلى الشعائر الإيمانية الحسينية نراها  تبرز هذا الجانب بشكل واضح.

 ✅ركزت مدرسة أهل البيت على هاتين القضيتين وأبرزتهما من خلال شعائر خاصة؛ لتبرز هذه القيمة الإنسانية والإسلامية المهمة، وهي الحفاظ على العدل  ورفض الظلم؛ لذلك الإمام المهدي  إذا خرج يرفع شعار يتناسب مع هذه القيمة وهذا المبدأ، يريد أن يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، 

وكذلك قضية الإمام الحسين تنطوي على هذه القضية؛ فإنما ثار الإمام الحسين (ع) ونهض وتحرك رفضا للظلم وطلبا للإصلاح ورفضا للفساد. 

💥ولذلك رأينا أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم يجعلون من  قضية الإمام الحسين قضية مركزية و يأمرون شيعتهم أن يجددوا العهد في كل عام بذكر الحسين.

 يقول الإمام الرضا: كان أبي إذا دخل عليه شهر المحرم لا يرى ضحكا أبد، فإذا كان يوم العاشر كان يوم حزنه وبكائه وألمه. 

الإمام الصادق في مثل هذه الأيام  يأمر الشعراء أن يدخلوا عليه ويرثوا جده الحسين بأبيات الشعر.

صدى المنبر:

تحرير لمحاضرات مجموعة من خطباء المنبر الحسيني

تعليقات