الشيخ د.إسماعيل المشاجرة / ليلة 2 محرم ١٤٤٥هـ /الحسين وأمانته على الأمة وهويتها


🖊️🖊️فريق صدى المنبر 

🖌️تحرير: حكيمة آل حماد

✅ورد في الصلاة على سيدنا ومولانا أبي عبدالله الحسين (ع):

🔸ا(للهم صل على الحسين بن علي المظلوم الشهيد، قتيل الكفرة، وطريح الفجرة، السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين، أشهد موقنا أنك أمين الله وابن أمينه، قتلت مظلوما، ومضيت شهيدا)🔸🔸🔸

♦️هذا المقطع نقله الشيخ الطوسي  بسند متصل عن الامام الحسن العسكري في كتابه في مصباح المتهجد وأخذه عنه جملة من المحدثين  فنقلوه في كتبهم ونقله الشيخ القمي في مفاتيحه ونقله العلامه المجلسي في جملة كتبه .

يظهر في هذا النص أن الراوي طلب من الإمام العسكري أن يعلمه كيف يصلي على النبي وأوصيائه . 

📍تقول الرواية فأملى الامام العسكر على هذا الراوي الصلوات على النبي ثم على الأئمة من بعده الواحد تلو الآخر وهذا المقطع الذي  استقطعناه جزء من الصلاة الواردة على الحسين.

📌 ،والملفت للنظر في هذا  النص قول الإمام:( أشهد موقنا أنك أمين الله  وابن أمينه) لماذا يوصف  الإمام الحسين، بل جملة الأئمة يتكرر في زيارتهم وصفهم بأمناء الله؟ 

✅عندنا زيارة واردة في زيارة أمير المؤمنين المطلقة تعرف بزيارة أمين الله، وهي من أصح الروايات اعتبارا من حيث السند، وتعتبر من الزيارات الجامعة التي يصح أن يزار بها أي واحد من الأئمة، 

فإذن تكرار هذه العبارة في زيارات الأئمة :

💥السلام عليك يا أمين الله في أرضه) أو يا أمين الله في خلقه في بعض النصوص ما هو المراد منه؟ وما هي الأمانة التي تتحدث عنها هذه النصوص؟ 

من خلال عقد ثلاثة محاور نستكشف المقصود والمراد من هذه العبارة ومن هذا المفهوم العقائدي المهم الذي يتكرر في زيارات المعصومين.

 🔸🔸🔸🔸🔸🔸🔸

1️⃣نبدأ بمحور لغوي قرآني روائي نستنطق من خلاله اللغة، ثم نطرق باب القرآن الكريم والروايات لنحاول أن نتعرف على هذا المفهوم من مضانه الحقيقي.

💥حينما نطرق باب اللغة  باعتبارها المعين لاستنطاق القرآن والروايات، نجد أن جملة من كتب اللغة تؤكد على أن اسم أمين صفة مشبهة، والصفة المشبهة في اللغة تدل على الثبوت والدوام، فحينما تصف شخصا بأنه أمين لابد أن تكون هذه الصفة ثبتت فيه على نحو الدوام؛ 

🔺ولذلك تؤكد المعاجم اللغوية أن لفظة أمين صفة مشبهة تدل على الثبوت والدوام، وتعني الشخص الذي يوثق به ويؤتمن على تأدية الأمور والأشياء، ومنها وُصف النبي (ص)قبل بعثته بالصادق الأمين. 

🔺فلفظة أمين صفة مشبهة من الفعل أَمِن أو أمُن بكلا التحريكين  الضم و الكسر تعني أن هذا الشخص الذي يوصف بهذه الصفة شخص ثبتت له الأمانة والوثوق على الدوام، 

🔺وفي الصحاح يطلق على المؤتمِن مسمى الأمين ؛يعني في المعنى الأول المؤتمِن نفسه الذي توضع عنده الأمانة ويؤديهادائما يسمى أمين، 

🔺وأحيانا تطلق عبارة الأمين على المؤتمِن من يعطيك الأمانة نفسه، ويستشهد بقول الشاعر (وإني لا أخون أميني ) يعني مأموني  من يأتمنني.

 🔺فإذن من خلال معاجم اللغة نظهر بنتيجة أن لفظة أمين لها معنى مزدوج ،تارة تطلق على المؤتمَن باسم المفعول يعني من توضع عنده الأمانة، وتارة تطلق على المؤتمِن باسم الفاعل  وهو من يمارس دور الاستئمان ،وإن كان الاستعمال الثاني أقل بكثير من الاستعمال الأول.

💥هل تطلق كلمة أمين  على الأمانة نفسها؟ لم نجد في معاجم اللغة إطلاق مسمى الأمين على الأمانة نفسها؛ لأن البعض حاول أن يستلهم من هذه العبارة معنى ينسجم مع هذا المعنى الثالث. 

🔸🔸🔸🔸🔸🔸🔸🔸🔸

✅في القرآن الكريم مفهوم الأمين والأمانة من المفاهيم القرآنية المهمة ، فتكرر بمشتقات عديدة أحصاها بعض المفسرين إلى 38 موضعا وموردا ،ومن ضمن الاستعمالات القرآنية الملفتة للنظر آية الأمانة:

💫﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ  إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾

💥هذه الآية مركزية وردت في سورة الأحزاب ،وأصبحت محط نظر عند المفسرين، ومن خلالها ذكر بعضهم أن مفهوم الأمانة في القرآن مفهوم قرآني مركزي محوري تدور عليه الكثير من المضامين والبحوث العقائدية، و يؤيد هذا المعنى أن لفظة أمين تكرر إطلاقها على الأنبياء في موارد عديدة، في سورة الشعراء وحدها وُصف خمسة من الأنبياء بوصف الأمين ،ويتكرر هذا اللفظ بنصه :

💫﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾

 في وصف نوح م وهود وصالح ولوط وشعيب، وفي سورة الدخان أيضا وصف موسى  بنفس الوصف .

💥إذن مفهوم أمين يطلق بكثرة على الأنبياء ،وفي بعض الأحيان يطلق لفظ أمين بمعنى الحصين كما في وصف الجنة ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ يعني مقام حصين لا يصل إليهم شيء، 

ووصف البيت الحرام والبلد أمين مكة المكرمة حصينة أمينة، و وصف جبرائيل أيضا في بعض الآيات القرآنية بالأمين ﴿نَزَلَ بِهِ الرُوحُ الأمِينُ﴾.

🔸🔸🔸🔸🔸🔸🔸🔸🔸

✅وفي الروايات أيضا تكرر هذا اللفظ وهذا المفهوم كوصف للنبي (ص)وللأئمة من بعده بشكل متكرر، 

💥وفي رواية طويلة من ضمن ما ورد فيها أن الإمام الرضا (ع)يصف الإمام و يعرِّفه ابأنه :(أمين الله في خلقه وحجته على عباده وخليفته في بلاده ) فحينما أراد الإمام أن يعطينا تعريفا دقيقا للإمامة أخذ مفهوم الأمانة من أول المفاهيم التي عرّف بها حقيقة الإمام ومقام الإمام (أمين الله في خلقه ).

💥وهناك رواية أيضا عن الإمام الرضا يصف فيها النبي الأكرم (ص) بوصف واحد؛ مما يعني أن هذا الوصف أيضا مركزي في شخصية النبي(ص)،فيخاطب بعض أصحابه قائلا: (كان محمدٌ  أمين الله في أرضه) إذن هو مفهوم مركزي في حقيقة النبوة .

💥ويبين الإمام زين العابدين في رواية أخرى بأن هذا المقام كان للنبي، ثم انتقل من بعده إلى الأئمة في قوله :(كان  محمد صلى الله عليه وآله أمين الله في أرضه، فلما قبض الله نبيه إليه كنا أهل البيت أمناء الله في أرضه ).

💥إذن الروايات تبين بأن مفهوم أمين الله مفهوم مركزي ومقام مهم للنبي و للأوصياء من بعده بل ولسائر الأنبياء.

🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺

2️⃣المحور الثاني

  نحاول من خلال هذا المحور أن نبني معنى الأمانة من خلال طرح المعاني والتصورات المحتملة لمعنى أمين الله، وهنا عدة معاني نستلهمها من أقوال العلماء ومن الآيات والروايات القرآنية.

 🟩المعنى الأول:

 أن يكون المقصود من الأمانة المراد في قوله( أمين الله )هي أمانة التكليف؛

 آية الأمانة التي سبق الإشارة إليها:

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ  إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾  استرعت اهتمام المفسرين بشكل كبير فطرحوا عدة معاني للمقصود من الأمانة.

 🌟بعض المفسرين رأى أن المقصود من قوله : ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ﴾ التكاليف الإلهية؛

 فالله سبحانه وتعالى امتحن العباد وأتمنهم على تكاليفه وأوامره ونواهيه وعلى حلاله وحرامه، وهذا المعنى العظيم الذي أشفقت منه السماوات والأرض والجبال و تسلمه الإنسان.

 🔺لكن مع شديد الأسف الإنسان دائما ما يخفق في تحمل هذه الأمانة فلا يراعي تكاليف الله ولا يراعي أوامر الله ونواهيه ،فينزلق في مخالفة أوامر الله فيقع في الحرام ؛ولذلك وصف الإنسان بأنه :

﴿ظَلُومًا جَهُولًا﴾يعني لم يؤدِ هذه الأمانة على أكمل وجه.

🌟بعض المفسرين رأى أن الأمانة العقل؛ فالله عرض هذا العقل لقدسيته وأهميته على المخلوقات الأخرى، فعرفوا أنه يستتبع مسؤولية عظيمة فأشفقن من قبوله إلا الإنسان قبله فتحمل المسؤولية.

 🌟بعض المفسرين يرى أن المقصود من الأمانة هي معرفة الله، وهذا المعنى يميل إليه العلامة الطباطبائي فيقول: (بأن المقصود من الأمانة الإلهية هنا هي الولاية المتضمنة لمعرفة الله ومعرفة دين الله، والاستكمال بدين الله علما وعملا) وهذا المعنى يؤول بالنتيجة إلى التكليف والمسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى.

 فإذن أول معنى من معاني الأمانة الذي نستلهمه من قولنا (أمين الله )أن أمين الله مؤتمن على تكاليف الله.

 💥لكن هل المقصود هو هذا المعنى العام الذي أشار إليه المفسرون؟ بالطبع لا ؛لأن هذا المعنى العام يشترك فيه جميع الناس ،فكلهم  مؤتمنون على تكاليف الله وعلى معرفته والاعتراف بوحدانيته والتصديق بنبوة الأنبياء الذين بعثهم والكتب التي أنزلها.

 🔺فإذن الأمانة بهذا المعنى العام شاملة لكل البشر، وبالتالي لا يمكن أن نتصور أن الإمام يُوصف بأنه أمين الله باعتباره واحدا من أفراد البشر، فلا بد أن يكون هناك معنى خاص اختص به الإمام.

 ✅فحتى نصف الإمام المعصوم لا بد أن نضيف إليه قيدا مهما؛ وهو أن الإمام المعصوم هو الوحيد الذي نهض بهذه الأمانة على أكمل وجه سواءا كان نبيا أو إماما معصوما، فميزة الأنبياء والأوصياء أنهم مؤتمنون كغيرهم من الناس؛ عرضت عليهم هذه الأمانة الإلهية، لكنهم نهضوا بها على أكمل وجه، فكانوا محلا لتحمل هذه الأمانة، 

فيخرجون عن الوصف الذي ذيلت به الآية : ﴿ظَلُومًا جَهُولًا﴾إذن هذا هو المعنى الأول وهو أمانة التكليف.

🟩المعنى الثاني:

 وهو أهم من المعنى الأول .

من معاني الأمانة الإلهية؛ أمانة التشريع،  وهذه الأمانة هي المعبر عنها بأمانة الوحي التي وصف بها جبرائيل ع  في الآيات القرآنية: 

﴿نَزَلَ بِهِ الرُوحُ الأمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ﴾ من المزايا والصفات والمقامات التي اختص بها أنه الأمين على الوحي النازل من قبل الله تعالى؛ حتى يُبلغ للأنبياء كما أُنزل بنصه وبحرفه، وهذا يحتاج إلى أمانة، وهذا المعنى اتصف به جبرائيل ع فكان هو الأمين على الوحي.

 💥وحتى نعرف خطورة هذه المسؤولية نقرأ الآيات الأخرى التي تتحدث عن أن الأنبياء لو لم يؤدوا هذه الأمانة لكانوا عرضة لأخطار عظيمة: 

💫﴿ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاوِيلِ لَأخَذْنا مِنهُ بِاليَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنهُ الوَتِينَ﴾

💥إذن مسؤولية تحمل الوحي مسؤولية خطيرة، وأول من اضطلع بهذه الأمانة هو جبرائيل، لكن من بعد ما يوصل الوحي إلى الأنبياء؛ يصبح الأنبياء هم محل لهذه الأمانة، وتبليغ هذا الوحي إلى الناس، ولذلك كان النبي (ص) شديد الحرص على هذا الأمر ،ويصف القرآن الكريم لنا حرصه على تبليغ الرسالة والوحي كما أنزل عليه حرفا بحرف، ولفظا بلفظ ،فيشفق على اهتمامه بهذا الأمر اهتماما عظيما فيخاطبه: 

💥﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ﴾ يعني لا تقلق يا رسول الله. 

ولذلك بلغ النبي (ص) الغاية في هذه الأمانة فوصف بأنه:

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

 💥إذن المعنى الثاني من معاني الأمانة هي أمانة التشريع أن الأنبياء والأوصياء يؤتمنون على تبليغ الوحي.

 بعد ما يقضي النبي (ص) مسؤوليته تبدأ مسؤولية الأوصياء من بعده، فإذن مسؤولية تبليغ الوحي تبدأ من الملك جبرائيل، ثم تنتقل إلى الأنبياء ،ثم تنتقل بعد ذلك إلى الأوصياء. 

✅أمانة التشريع تتضمن مرتبتين: 

المرتبة الأولى أمانة التبليغ: أن يكون النبي أمينا في تبليغه :

﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ 

وظيفة النبي (ص) مجرد البلاغ من دون أن يُدخل في هذا البلاغ شيئا، لكن النبي على وجه الخصوص أُعطي مقاما خاصا اختص به دون سائر الأنبياء، وهي أمانة التشريع، فكما أن النبي حُظي بأمانة التبليغ حظي بأمانة التشريع. 

🔺ماذا نقصد بأمانة التشريع؟

 يعني اُؤْتُمِنَ على أن يشرع ما يشاء؛ لأن الله علم بأن هذا النبي العظيم لا يشرع للناس إلا ما يكون في صالحهم، ولذلك تشير الآيات القرآنية إلى هذا الحق، وهذه الولاية لرسول الله ولاية التشريع:

 ﴿ وَمَاۤ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُوا ﴾ 

إذن كلا المقامين: مقام التبليغ ،ومقام التشريع ؛يمثل أمانة 

التشريع الذي حظي به رسول الله، ثم انتقل هذا المقام للأئمة من بعده، وهذا ما يشير إليه الإمام زين العابدين حينما يقول :(كان محمد (ص) أمين الله في أرضه، فلما قبض الله نبيه كنا أهل البيت أمناء الله في أرضه).

 🌟فإذن الأئمة تسنموا هذه المسؤولية وحظوا بهذا المقام مقام تبليغ الوحي الذي نزل على قلب النبي المصطفى. 

✅فالأمة إذا أرادت شريعة النبي وسنة النبي ووحيه، يجب عليها أن تطرق باب العترة الطاهرة، وهذا ما يؤكد عليه النبي في حديث الثقلين:

. (إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي)

 ✅يعني هذه العترة هي المؤتمنة على سنتي وحلالي وحرامي وشريعتي، وهنا يتبلور عندنا معنى جميل للأمانة وهي  أمانة الوحي وأمانة التشريع في حق أهل البيت؛  إذ يتحقق فيهم المعنى المزدوج للأمانة، فهم أمناء بمعنى أن الله أمر نبيه أن يأتمنهم على تبليغ الوحي من بعده، فهم المؤتمنون وهم أيضا الأمانة في عنق الأمة.

🟩المعنى الثالث:

 يقول بعض الفقهاء هناك أمانة تعرف بأمانة الآيات والبينات أشار إليها القرآن الكريم يُؤتمن عليها الأنبياء والأوصياء والأئمة. 

أمانة الآيات البينات يعني أن الله  اِئْتَمَنَ  الأنبياء على الآيات التي يؤيدون بها نبوتهم ،كالمعاجز والكرامات، وخوارق الأمور. فعيسى يشفي و يحيي. فهو مؤتمن على هذه المعاجز وعلى هذا الكون وعلى تسخير هذه الآيات لأجل إثبات نبوته، وسخرالله لسليمان الريح والمطر والجن والطير، فحينما أراد  أن يحضر عرش بلقيس تصف الآيات القرآنية لنا المشهد :

💫﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾

 القدرة على إحضار عرش بلقيس تحتاج إلى أمرين:

 🔸الأمر الأول :السلطة والهيمنة والقدرة والولاية التي يعطيها الله سبحانه وتعالى لأوليائه.

 فهذا يقول له أنا عندي هذه القدرة  (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ )، لكن هل تكفي القوة؟

🔸الأمر الثاني : لا بد من الأمانة (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)، ومن هنا يقول علماؤنا إذا كان هذا عفريت من الجن أعطاه الله القدرة والأمانة، فكيف بمن عنده علم من الكتاب، الذي أتى بعرش بلقيس قبل أن يرتد إلى سليمان طرفة، لا ريب أن عنده المكنة والقوة والأمانة التي كانت عند هذا عفريت، وبالتالي نقول بأن أولياء الله سواء كانوا أنبياء أو أوصياء عندهم القوة والأمانة على الآيات والمعاجز التي تظهر على أيديهم. 

🔺وهذا المعنى أيضا كما ثبت للأنبياء من قبل، ولا ريب أنه يثبت في أفضلهم وأكملهم وهو النبي الخاتم ص، وإذا كان النبي الخاتم هو أفضل الأنبياء، فكما ثبت لأوصياء الأنبياء الذين عندهم علم من الكتاب سيثبت لأوصياء النبي الذين عندهم علم الكتاب.

 🔺إذن فأمانة الآيات البينات من الأمانات الإلهية الخطيرة التي اُؤْتُمِنَ فيها الأنبياء والأوصياء على هذا الكون، بحيث يسخرون الآيات لإثبات نبوتهم ولإثبات مقامهم الإلهي، 

🔺ولذلك نرى الأنبياء والأوصياء مستجابي الدعوة؛ فأي دعوة يدعوها يستجاب لهم، فهم أيضا مؤتمنون على الدعاء لا يدعون إلا إذا صرح لهم بهذا الدعاء. 

✅ولذلك نلاحظ أن الصديقة الزهراء كانت معطاة هذه الصلاحية لما همت بالدعاء على القوم. 

🟩المعنى الرابع :

ما يعبر عن بأمانة القيادة على الأمة، وهذا المعنى أيضا مهم، وهو الذي وقع فيه النزاع ،فمعنى الخلافة والوصاية لرسول الله؛ الأمانة على الأمة، أن يكون هذا الوصي مؤتمن على الأمة وعلى مصيرها وسلوكها و تمسكها بدينها إذا تعرضت لخطر يهدد هويتها وانتمائها وقيمها وسلوكها الديني، لا بد أن يشمر هذا الوصي عن ساعد الجد فيبذل  الغالي والنفيس من أجل أن يعيد الأمة ويصلح أمرها ،وهذا المعنى الذي يشير إليه أمير المؤمنين في بعض خطبه :

🌟(أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِم، وَلا سَغَبِ مَظْلُوم).

فإذن المرتبة الرابعة من معاني الإمامة ومن مراتبها هي أمانة القيادة وأمانة الأمة.

 🟩المعنى الخامس :

نريد به معنى يلتهم المعاني السابقة بأجمعها فيكون معنى جامع للأمانة ونقول بأن المقصود في الزيارة وفي خطابنا للإمام الحسين أو لأي واحد من الأئمة حينما نقول: (السلام عليك يا أمين الله في أرضه) نريد هذا المعنى الجامع والذي نعبر عنه ونعنونه بعنوان أمانة الاستخلاف أو أمانة العبودية. ماذا نريد بهذا المعنى؟

🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺🔺

3️⃣هذا ينقلنا إلى المحور الأخير من حديثنا  أمانة الاستخلاف أو أمانة العبودية 

حتى نفهم معناها نحتاج أن نقدم لها بمقدمات:

 🔸المقدمة الأولى:

 إن النعم التي أنعم الله بها على العباد ليست ملكا لهم ،مالكها الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى، فكل نعمة أعطاك الله إياها، هي ليست ملكا لك بما فيها نفسك التي بين جنبيك، ونحن مؤتمنون على هذه العطيات الإلهية، ولا نملك منها إلا بمقدار ما يولينا الله، فالله إذا أعطى للإنسان ولاية بقدر ما يصبح له تصرف بهذه العطيات الإلهية، بمقدار ما ولاه الله، ولهذا نرى القرآن الكريم يبين أن هذه النعم هي ملك لله، فقد يعطي لشخص الولاية على النعم التي أعطاك إياها أكثر من ولايتك عليها، و يبين القرآن لنا هذا المعنى:

 🌟﴿النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ﴾؛ لأن هذه النعم هي ملك لله، والله يملكها ويعطي الولاية فيها من يرى له الحق والصلاحية في ذلك.

 🔺ولذلك متى ما نجح الإنسان في أداء هذه الأمانة، وصار لا يحرك جارحة ولا جانحة إلا فيما يرضي الله، فيكون قد أدى الأمانة كما أرادها الله؛ لا ينظر ولا يسمع  إلا إلى ما أحل الله، ،ولا يحرك يده وقدمه إلا فيما يرضي الله .

✅فإذن  أول مراتب تأدية الأمانة؛ أن يصرف الإنسان جميع النعم التي أنعم الله عليه بها، فيما يرضي الله، حينئذ يكون قد أدى أمانة هذه النعمة، وقد فاز المعصومون بهذا الأمر، فهم لا يحركون جوارحهم ولا جوانحهم إلا فيما يرضي الله ،ولذلك نرى الإمام الحسين في دعاء عرفة يربينا ويؤدبنا ويوقفنا على خطورة هذا المعنى، فيقول في دعاء عرفة:

🌟( إلهي ومولاه فبأيّ شيءٍ أستقبلك يا مولاي، أبسمعي، أم ببصري، أم بلساني ، أم بيدي، أم برجلي، أليس كلّها نعمك عندي؟ وبكلّها عصيتُك). 

✅إذا نحن أمام أمانة عظيمة هذه الجوارح وهذه الجوانح يجب أن نكون أمينين عليها، فمن ينزلق في معصية؛ فهو بهذا المعنى التربوي العرفاني يصبح خائنا بنحو من الأنحاء، ولهذا الأئمة والأنبياء لأنهم نجحوا في أداء هذه الأمانة صاروا  معصومين، وهذا يعني أن أول درجات ومراتب الأمانة الإلهية لأوليائه وأوصيائه هي العصمة.

💥المرتبة الثانية:

 وهي مترتبة على المرتبة الأولى؛ لما رآهم الله  مؤتمنين على ما أنعم عليهم به؛ رآهم أهلا أن يجتبيهم لتأدية الوحي، هؤلاء هم المرشحون وهم المنتجبون وهم المصطفون الذين رآهم الله أهلا لتأدية الوحي ما داموا  اُؤْتُمِنوا على جوارحهم و جوانحهم، فلا ينطقوا إلا بما يرضي الله، فإذن صاروا أهلا أن يؤتمنوا على تبليغ شريعة الله ووحيه للناس؛ ولذلك حازوا المرتبة الثانية من مراتب الأمانة الإلهية فصاروا المؤتمنين على الوحي، فصاروا أنبياء وصاروا أوصياء. 

💥المرتبة الثالثة:

 لما صاروا مؤتمنين  على الوحي؛ أئتمنهم الله على آياته وبيناته، فصارت خوارق الأمور بيدهم؛ لأنه رآهم أهلا أن يأتمنهم  على آياته وبيناته وعلى كونه، لذلك سخر لهم كما سخر لسليمان ما سخر له، و كما أعطى عيسى ما أعطى، وكما أعطى نبينا الأكرم ص فوق ما أعطاه لسائر الأنبياء والمرسلين، وهذه المرتبة الثالثة من مراتب الأمانة، وهي ما عبرنا عنها بأمانة الآيات البينات. 

💥المرتبة الرابعة

 ما داموا اُؤْتُمِنوا كل هذه الأمانة، فلا ريب أن جعل الناس والأمة في عنقهم سيكونون لها أهلا،

 فأتمنوا على قيادة الأمة ورعايتها ،وهذا المعنى كما كان وظيفة النبي ص في حياته أصبح وظيفة الأئمة من بعده، فصاروا هم أوصياء الله.

 ✅و معنى وصي: مؤتمن على تنفيذ الوصية، فوصايتهم يعني مؤتمنون  على دين الله وعلى العباد الذين هم عيال الله، فإذا بلغوا هذا المقام بحيث حازوا المرتبة الأولى من الأمانة أمانة العصمة، ثم أمانة الوحي ،ثم أمانة الآيات البينات المعبر عنها في لسان بعضهم بأمانة التكوين، ثم أمانة الأمة ورعايتها؛ فصارو هم آباء هذه الأمة:  (يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة)،فأي شيء يجرح هذه الأمة ويؤلمها يؤلم الوصي، لذلك لا يستطيع أن يقر له قرار إذا لم يصلح أمر هذه الأمة، 

فلما بلغوا هذا الحال استحقوا أن يصيروا عبادا لله واستحقوا أن يصيروا خلفاء الله في أرضه،و هذا معنى أمانة الاستخلاف وأمانة العبودية، فقدحازوا كل هذه المقامات وكل هذه المراتب، فصاروا هم العبد بكل ما تعني كلمة العبودية،وصاروا المستخلف والخليفة بكل ما تعني كلمة الخلافة. 

💥المرتبة الأخيرة: 

وهي التي اختص بها سيد الشهداء، وسائر الشهداء من الأنبياء والأوصياء، لكن للحسين خصوصية الائتمان على روحه التي بين جنبيه ومؤتمن على شهادته، لا يصح للإنسان أن يعرض نفسه لله للهلكة ويزهق روحه

🌟﴿ ولا تُلْقُوا بِأيْدِيكم إلى التَّهْلُكَةِ ﴾ 

لا يجوز للإنسان أن يزهق روحه 

ويعرض نفسه للضرر والخطر والموت إلا  هؤلاء؛ لأنهم مؤتمنون والحسين مؤتمن على على روحه؛ لأن الله سبحانه وتعالى وجده أهلا لهذا الائتمان والقرآن الكريم يلفتنا إلى هذه الأمانة التي كاد أن يحظى بها إسماعيل: 

﴿ قالَ يا بُنَيِّ إنِّي أرى في المَنامِ أنِّيَ أذْبَحُكَ ﴾، 

فسلم إسماعيل لأمر الله، ومضى مع أبيه إبراهيم إلى المذبح عازما على أن يقدم نفسه قربانا لله تعالى، لكن حصل البداء من الله.

 ✅كذلك الحسين لما رأى الأمة تعرضت إلى ما تعرضت عليه في أيام يزيد بن معاوية حيث مسخت هويتها وصار الإسلام مجرد اسم، وصارت السلوكيات سلوكيات الفساد والظلم، شمر عن ساعد الجد. 

🌟ويبين الإمام الحسين لنا هذا المعنى في قوله :

(إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله)

 ✅لما أراد الله أن يضحي إسماعيل بنفسه أُعطي إشارة، وهي رؤية رآها إبراهيم، لكن الإمام الحسين لا يحتاج إلى الإشارة؛ لأنه مؤتمن في أعلى درجات الائتمان ،يعرف متى يضحي بنفسه ويقدمها قربانا بين يدي الله، ولهذا بمجرد أن رأى الإمارات والعلامات ظهرت خرج من مدينة جده.

تعليقات