هذه حياتنا .. بأيدينا ابتكرناها ومن صحتنا ندفع ضريبتها ..!


 هذه حياتنا .. بأيدينا ابتكرناها ومن صحتنا ندفع ضريبتها ..! 

أبكي الآن من ضغط الحياة وقسوة الأيام وما تفرضه متغيرات الحياة التي أصبحت تعتصر قلوبنا من ركضها الدائم، وما جلبته من ضغوط رهيبة على أعصابنا وما رافقها من إرهاق وقلق وقضايا شائكة وهموم وأزمات وأمراض وتحولات  ومتطلبات .. جعلتنا عرضة لتهديدات الأمراض الفتاكة .

يجمع الباحثون على أسرار طول العمر والصحة الدائمة تكمن بالأساس في البيئة الصحية والطبيعة الجميلة والطعام الخفيف والحياة الهادئة، تلك الحياة التي تسودها المحبة ولا تعكر صفوها أنانية وجشع وعدوانية .

ينهش التوتر النفسي وضغوطات الحياة أجسامنا بطرق كثيرة، ويكاد يظهر أثره المدمر في صحة معظم أجهزة الجسم الداخلية، وفي وضعية الجسم التي تتجرّع تبعات ذلك التوتر والضيق كدليل على الضعف والمرض، وقد يحدّ التوتر المزمن والحوادث التي تطرأ على الحياة من قدرات الجهاز المناعي، وتظهر في ذلك تأثيرات مباشرة في عملية إنتاج الخلايا المناعية، وأوضحت أبحاث حديثة، أنّ القلق يقصر عمر بعض الخلايا المناعية، ويصحب ذلك تعرض الجسم لمخاطر الوقوع فريسة كثير من الأمراض، ولوحظ قائمة طويلة من العلل تزداد، حرمت الإنسان من نعمة الحياة، إلا أنّ الأمر المخيف هنا، هو ما تؤكده بعض الدراسات الجارية على حيوانات التجارب، أنّ التوتر يزيد من سرعة نمو الأورام السرطانية، نتيجة افتقار أجهزة تلك الحيونات إلى قدرة مناعية تحدّ من نمو الخلايا الورمية .

فالعامل النفسي له تأثير كبير على اعتلال صحتنا أو سلامتها، رغم التقدم في الأبحاث الطبية نجد العلماء والأطباء يعجزون على معالجة الأسباب، كما أن أدوية معالجة الكآبة ليس لها قدرة على فك شفرة الضغط النفسي . 

تحت عنوان " تغلب على الإجهاد والتوتر "مؤلف هذا الكتاب هو البريطاني " باتريك هولفورد " وننقل عن المؤلف قوله: " ليس من المفاجىء أنك إذا غيرت ما تعطيه لجسمك ، فسوف تغير تمامًا طريقة تفكيرك ومشاعرك .. وقد أثبتت تجاربنا أن إعطاء الأشخاص تغذية مثالية، كانت نتيجته تحسنًا في الطاقة ، وبذاكرة أفضل ويقظة عقلية أحسن .. " وكان الطبيب اليوناني " هيبوقراطس " أول من تساءل في القرن الرابع قبل الميلاد حول ما إذا كان الدماغ البشري هو الذي يحدد سلوك الفرد أم تطبعه، فالباحثون في علوم الدماغ توصلوا إلى فهم عمل الدماغ فهمًا كاملاً، والإجابة عن السؤال حول الطبع والتطبع مجرد تخمينات متناقضة .

ولكي تحافظ على توازنك عند مجابهة مرض عضال لا بد أن تقف ضد المرض ولا تدعه يسلبك أقوى ما تملك من قوة، فلا تخف أو تجزع أو تشعر بالخوف وتصبح شخص انهزامي مستسلم، وليكن لديك الإيمان بالله تعالى، فالمرضى المؤمنون من أشد الأشخاص مقاومة للمرض وأكثرهم شفاءً، في حين الذين يخافون من الأمراض قد يحتاجون إلى فترة طويلة للشفاء، والتجارب والأبحاث كشفت أن هناك تبادل معلومات بين الدماغ وجهاز المناعة عن طريق مجموعة من الهرمونات، ولاحظ فريق طبي في كلية الطب بجامعة اوهايو أثر الانفعالات والقلق والضغط النفسي على جهاز المناعة بشكل ملحوظ والاضرار المدمرة التي يمكن أن يحدثها الضغط الذهني على جهاز المناعة، فالمرضى الذين يملكون روح المقاومة لديهم فرصًا أكبر في الشفاء، وأن التصرف الذهني الصحيح يمكن أن يساعد جهاز المناعة لدى المريض ويحفزه للعمل بشكل أفضل .

ومن جانب آخر حذر علماء، بأن الإنسان القادم سيتصف بالأمراض العضوية والعصبية والنفسية، لأنه لن يفعل شيئًا لمواجهة الصعوبات والفشل سوى تناول الأطعمة .

لقد أهمل الناس هذه الأيام أهمية تحسين نوعية الحياة، فحين لا يأخذ الإنسان مثلًا كفايته من الراحة والنوم .. يزداد ضيقًا، ينتج عن ذلك العديد من المشاكل الصحية، قلة هم الذين يعانون متاعب صحية بفضل حسابات عقلانية؛ كتحسين أنواع الغذاء، وتنظيم أنماط ومتطلبات الحياة المختلفة، ومقاومة الضغوط الحياتية وهموم المعيشة .

من المرجح أن نعتمد على جهازنا المناعي بتفعيل مقاومة الجسد الذاتية من خلال التأكيد على أهمية الغذاء والرياضة والطبع الهادىء والسلوك الرزين في تقوية مناعة الجسم بشكل عام، وفي الحؤول دون التعرض لأزمات صحية ونفسية مثل الألم وعواطف الحزن والكآبة واليأس، وقد تفلح في تخليصنا من الكثير من الأمراض المستعصية، فالمرض الذي لا يقتل .. يزيدك قوة، واليوم تعود الصحوة باتجاه أهمية التفكير في تنظيم أسلوب حياتنا والتحكم في مشاعر الغضب، وقهر مشاعر الغيظ، ومحاولة تجفيف منابع التوتر قدر المستطاع، ومحو ذكريات الماضي الحزين المترسبة في قاع النفس، لمواجهة ما ستكون عليه أمراض عصرنا الجاري، هو حال الأمراض المعدية وانتشار فيروساتها التي ستزداد عدائية وتتسع شراستها، ولا شيء سيلجم هذه الفيروسات عن النمو والانتشار، غير ناكرين طبعًا دور الجسد في بعض الحالات المرضية الذي يتولى فيه تصحيح وضعه بقدراته الذاتية، وكما قيل سابقًا في كل جسد طبيب يسكنه، ولو صحّت التوقعات، كل ما هناك أن العالم كما نعرفه سيكون مختلفًا جدًا، فهناك من يرى أن قرع جرس الإندار اليوم على هذا المستوى من الجدية سيدفع البشرية إلى التصرف مع كوكبها في شكل أفضل، فلا شيء يمنع أو يوقف التلاعب بمقدرات الطبيعة، وهذا يعني أن البشرية ماضية إلى هلاكها .

نحن بحاجة إلى وقفة صريحة مع النفس، يتمّ خلالها توجيه كلمات تحمل إرشادات وعظات صادقة حول أهمية الإستقرار النفسي .

 في عالمنا المعاصر، وفي حياة مفعمة بصور شتى من الانفعالات والضغط النفسي قد يكون ماديًا أو معنويًا من خلال قلقنا وبعدنا عن السكينة والأمان الداخلي تمامًا كما هو الواقع الذي يحياه كثيرون، تبدو أهمية الكشف عما تخلّفه هذه الصور من آثار مدمرة في صحة الجسم الإنساني الذي يدفع ثمن ذلك غاليًا في قائمة طويلة من الأمراض والتبعات .

 في هذا المقال وجهنا إرشادات وعظات حول أهمية إعادة التفكير في تنظيم أسلوب حياتنا التي باتت سريعة جدًا أضاعت نكهة الحياة، وعكرت صفوها، والدعوة إلى مزيد من الحكمة والبصيرة والقدرة على ضبط النفس والتحكم في مشاعر الغضب وقهر مشاعر الغيظ، ومحاولة تجفيف منابع التوتر قدر المستطاع، والاستسلام التام لما ساقه لنا الأقدار، خيرها وشرها، ومحاولة محو ذكريات الماضي الحزين المترسبة في قاع النفس، ويترتب علينا أيضًا غرس قناعة تامة مفادها أنّ هذا العالم العصري المليء بكثير من مظاهر التوتر ومصادره، والمشبع أيضًا بأمور مروعة ليس بإمكاننا تجنبها، هو في المقابل غني بأمور كثيرة تدعونا إلى التفائل، وتنجح في تجسيد علاقات إنسانية دافئة، وزرع ابتسامة عفوية فوق شفاهنا .. سنرى أنفسنا أمام أفق جديد خالٍ من الأمراض والمضاعفات والتبعات المرهقات وأشدها انخفاض مناعة الجسم . 

وأخيرًا، نحن في أمسّ الحاجة إلى إشعال قناديل الطمأنينة وشموع السكينة؛ فينتشلنا من الخوف الجاثم على صدورنا والقلق المهيمن على حياتنا . ولكن هذه حياتنا .. بأيدينا ابتكرناها ومن صحتنا ندفع ضريبتها !! فمن يبكي وقد تأقلم مع الجو المحيط به .. لن يبكي كذلك بمشاهدة هذه المتغيرات وأنماط الحياة العصرية .

منصور الصلبوخ ~ أخصائي تغذية وملوثات .

تعليقات