هل مشاعرنا مُسبقة الصنع؟


علاقتنا بهوياتنا أو بالهويات المختلفة عنا، ترتبط بعض صور حبنا لها أو كرهنا لها بأحكامنا المسبقة عنها. فقد يحب الأمريكي الأبيض أو يكره أصحاب البشرة السوداء بناءً على حكمه المسبق عنهم. وكذلك الحال في حب السود للبيض أو كرههم لهم. وربما تتحول الأحكام المسبقة الصنع إلى جدار وهمي فاصل بين أهل الهويات فتزيد وتتراكم وتتنوع تلك الأحكام لتبني أما حباً أو كرهاً بين أهل الهويات المختلفة قبائلياً وعرقياً ودينياً وقومياً. 

من أخطر مشاعر الحب والكراهية تلك التي تنبني على أحكام مسبقة الصنع، حيث تصبح مشاعر الحب والكراهية بمثابة مشاعر عمياء لا تقوم على مبررات منطقية لحبها للناس أو لكرهها لهم. فكل شعور بالحب أو الكره له منشأ يحركه للزيادة او النقصان في قلب المرء، له أسباب تُفعله نحو الأعلى أو الأسفل في الوجدان، له دوافع تُعمقه في الإنسان أو تخففه. أما إذا أحببنا هوية ما أو كرهناها دون ذلك، فقد تكون هذه المشاعر من أنماط المشاعر المسبقة الصنع. 

أغلب المحفزات للمشاعر المسبقة الصنع هي الأفكار المسرفة في المبالغة بالمدح أو الذم لهذه الهوية أو تلك، وكذلك الحال على مستوى الأفراد. فالمبالغة في مدح فلان من الناس، وجعل سلبياته ايجابيات، وتصوير أفعاله على أنها دائماً جميلة، قد يجعل المستمع يفرط في محبته له. بينما الاسراف في ذمه قد يجعلنا نكرهه دون أن نراه أو نتعامل معه. 

الوجهان قبيحان، الحب الأعمى للهويات والكره الأعمى للهويات، فالأول وهو الحب الأعمى يبني جسوراً من الثقة اللا محددوة في غير موضعها، والاطمئنان المرضي – من المرض-  في غير مكانه، والعطاء المفرط في غير حق. والثاني وهو الكره الأعمى يبني جسوراً من الريبة القاتلة بين أهل الهويات، فعندما تقوم العلاقة بين أهل الهويات على الشك وانعدام الثقة, فمن الطبيعي أن ينتابها الجفاف واليباس، وبالتالي الجمود، وربما القطيعة.  

المشاعر المسبقة الصنع تنتج مواقفاً مسبقة الصنع، فتصبح تلك المشاعر كالمصباح المضلل الذي يلون الأشياء بلون معين فيجعل الأشياء على غير لونها الحقيقي. هذا أشبه بأن يأخذ شخص ما مصباحاً ذا ضوء أحمر ويضيء مختلف الأشياء من حوله: سوف يبدو كل شيء بلون أحمر. عندئذ سوف يشعر بالرعب لأنه سوف يرى الخطر محدقاً به من كل صوب وحدب. علماً أن مصدر الخطر يكمن في يده هو بالذات, إنه المصباح الأحمر.*

المواقف المسبقة الصنع وما يرافقها من مشاعر ومواقف عمياء، لها أثار وتبعات كبيرة، سواءً في الحب أو في الكراهية. ولكن على صعيد مشاعر الكراهية تبعاتها تكون أكثر خطورة، وربما تخلق عداوة لا مرئية بين أهل الهويات، تنتقل بين أهل الهويات فيعم لهيبها، لأن عدوى فيروس الكراهية أشد فتكاً وربما يتحول إلى أداة للقتل والحرب. 

في المقطع المرفق صورة ربما تساعد على إيضاح الفكرة بشكل أو بأخر: شرطية أمريكية بيضاء تقتل رجلاً أسوداً بالخطاء، وبعد المحاكمة يطلب أخوه معانقتها: 

https://www.youtube.com/watch?v=gLH9SsfC_Oo

مع خالص تحياتي

أخوكم كاظم الشبيب أبو أحمد 

٦/ ٣/ ٢٠٢١

 * كيمياء السعادة ص ٨٠

تعليقات