ما بينا حساب

 


سراج ابو السعود - جريدة اراء سعودية الالكترونية

ورد في الأثر «إذا فسد الزمان وأهله، فإن سوء الظن من حسن الفطن» هذا لأن حسن الظن فيمن لا يمنعه عن المساوئ دين ولا خلق ولا ضمير يُعرض صاحبه لشتى أنواع المهالك وفوات الحقوق، وبعيدا عن هذا المنحى فإنَّ الحقوق عموما لا تحفظ بين الجهات أصحاب العلاقة إلا بالوثائق، وعدا ذلك فإنها معرضة للضياع، هكذا جاءت أطول آية في القرآن الكريم لتؤكد على هذا المعنى حينما ورد فيها قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمى فَاكْتُبُوهُ» ذلك أن كلمات من قبيل «ما بينا حساب، أنت محل النفس، اللي عندي عندك» هي كلمات تقال حين المودة والأنس، أما وقت الخلاف فكل هذه الكلمات لا تستنقذ حقا ولا تبطل باطلا.
الحقيقة أنَّ ثقافة تدوين الحقوق هي ثقافة غاية في الأهمية، تناقضها تماما ثقافة الثقة المفرطة التي تدفع صاحبها لتجاهل أي وثيقة يمكن لها أن تحفظ حقه فيما بعد.
في القضاء يُقال «البينة على المدعي» وحالما يذهب موظف مبخوس الحق من شركته إلى القضاء، أو يذهب صاحب حق ليطالب بحقه من شخص آخر، فإن أول ما سيُسأل عنه هو الدليل، حينها لن تكفي كلمة «هذا صديقي، هذه الشركة التي قضيت فيها سنوات عمري، وهذا مني بمنزلة النفس» كل هذه الكلمات ليس لها قيمة قانونية، نعم اكتب الدين حتى على صاحبك، أثبت أيها الموظف حقوقك بإثباتات ملموسة واحتفظ بها، هذا لكي تملك من الحجة ما يمكنك من استنقاذها وقت المطالبة، وحالما لا تفعل ذلك فلن تكون لكل جهودك القضائية غالبا أي قيمة أو أثر في استرجاع حقوقك.
يتناقل الكثيرون قصصا حول نكران الحقوق وسلبها بين أصحاب العلاقات، الحقيقة أن القاسم المشترك بين أغلب من فقد حقه هو الثقة في الطرف الآخر، تلك الثقة التي لم تجعله يثبت حقوقه بأدلة ملموسة، هذا السلوك هو الذي عالجه القرآن الكريم بأن أكد على كتابة الديون وإثباتها بالشهود، وحالما لا يفعل شخص ذلك فليتأكد أن القضاء يستند إلى الدليل، ولأنه لا يملكه فليعلم غالبا أنه قد فقد حقه، ولكن باختياره وسوء فطنته

تعليقات