ألا يتحقق احياء المحرم، بالبث الالكتروني؟

د فؤاد محمد السني - خليج الدانة سيهات

إقامة مجالس الذكر في ايّام محرم الحرام تحظى باهمية قصوى لمريدي ومحبي وعشاق الامام الحسين ع. وعاصر بعض الاحياء تحولات كبرى في كيفية إقامة هذه المجالس تبعا للظروف التي تمر بها المجتمعات من اجواء صحية او فكرية وغيرها من ظروف. كما ان التقنيات المتوفرة والمستوى المالي للمجتمع ولاصحاب المآتم لها دور ايضا في التأثير على كيفية احياء المحرم.


من المسلمات ان ما مرت به المجتمعات المختلفة عبر القرون، وما واجهه المحرم من تحديات متنوعة ومتفاوتة في حدتها، لم تتمكن من محرم، بل استمر متألقا في نفوس الناس عبر الاجيال. ففي كل تحد، تتمكن المجتمعات من ايجاد حلول للتحديات التي تواجه احياء المحرم.

ونحن، في أزمة الكورونا وفي مواجهة التحديات الكبيرة، قام بعض الحريصين من أبناء المجتمع بمبادرات متنوعة للتعاطي مع الكورونا والمساهمة في محاصرة آثارها خصوصا اثناء المحرم. وفي هذا السياق، تم تصميم استبانتين احدها يستطلع موقف الناس من إقامة المجالس افتراضيا، وتم إخراجه على شكل ابداء الرأي في دعوة وجهت للمشائخ والخطباء وأصحاب المجالس ، لتبني استخدام البث الالكتروني في مجالس المحرم. بينما كانت الاستبانة الثانية اكثر شمولية وتنوعا في أسئلتها. وقد تم توزيعهما خلال الفترة 23 جولاي الى 8 أغسطس.

وجاء في الخطاب الموجه للعلماء وللخطباء وأصحاب المجالس الذي تضمنته الاستبانة الأولى ، الجزء التالي الذي يمثل الطلب الموجه لهم :

وإننا اذ نؤكد على أهمية اقامة المجالس الدينية والشرعية والاجتماعية ،  ودورها في نشر التوعية وعلوم اهل البيت عليهمالسلام،   واحياء ذكرى الامام الحسين عليه السلام واحياءانفسنا بذكرى عاشوراء، فإننا نتوجه بهذا الخطاب لجنابكم ،الذي أتيحت المشاركة فيه  لعموم الناس المهتمين من مختلف القناعات والبلدات.

لا يخفى عليكم ان ايضاح الاّراء والتشاور فيها مع المعنينوالمختصين في مجال الاوبئة  والعدوى وفي مثل هذه الاوقاتالحرجة والمهمة، يحضى بضرورة عالية لكي نصل لما هو اقربللصواب وتجنيب ابناء المجتمع، مخاطر زيادة  اعدادالإصابات  وما يترتب على ذلك من تبعات مختلفه.

كلنا امل ان يحظى هذا النداء بقبول من جنابكم من اجل انتطمئن النفوس وتستقر لتتوجه لإحياء شهر محرم عبر القنواتالفضائية المختلفة بطمأنينة على امل ان يرفع الله هذا الوباءعن الأمة والمجتمع، ونعود في مواسم المحرم اللاحقة وغيرها،من مواسم اهل البيت عليهم السلام للاحتفاء بها كما عهدناهادوما

هذا ما جاء في الخطاب الموجه لطلبة العلم والخطباء وأصحاب المجالس، وطلب من أبناء المجتمع أن يردوا بأحد الإجابات الأربع التالية : اتفق وبقوة، اتفق، لا اتفق، لا اتفق وبقوة بناء على قناعاتهم.

وقد اشترك في الاستبانة  357 شخصا، من مختلف بلدات القطيف، ومختلف الاعمار، وبمستوى تعليمي جامعي ودراسات عليا بنسبة 92%، والثانوية وما قبلها 8%، وشارك فيه الرجال والنساء.

وتجاوزت نسبة الموافقة وبقوة مع هذا الطلب ال 54% وقاربت نسبة الموافقة 14% بينما كانت نسبة عدم الموافقة 13% وعدم الموافقة بقوة 19%  بمجموع 68% موافقة ، و 32% عدم الموافقة على هذا الطلب.

وهذا يعني أن ثلثين أبناء المجتمع تدعوا المشائخ والخطباء وأصحاب المجالس لتبني استخدام البث الالكتروني، كبديل عن فتح المجالس في المحرم للجمهور.

أما الاستبانة الأخرى، فقد حوت مجموعة من الأسئلة المتنوعة، وشارك في الرد   545  من الرجال 78% ومن النساء 22%، وغطت أعمارهم  كل الاعمار اكبر من  18 عاما.

وفي الردور، نجد أن 7% منهم أصيب بالكورونا ، و9% لا يدري ان كان أصيب او لا، بينما الباقي لم يصب. كما أفاد 63% منهم أنهم يعرفوا 5 او اكثر من اهله أصيبوا بالكورونا خلال الفترات السابقة، و30% منهم يعرفون 5 او اكثر من اصدقائهم أصيبوا، بينما يعرف 25% منهم 5 أو أكثر مصاب من زملاء العمل. أما في تعداد الوفيات، فان  60% منهم يقولون انهم يعرفوا 5 او اكثر من أهلهم او أقاربهم او زملائهم قد توفوا من الكورونا.

أما عن تزايد الإصابات فيعتقد 81% تقريبا ، أن عدد الإصابات تزايدت بعد انتهاء فترة عيد الفطر المبارك، واكثر من 15% يرون انها ربما تزايدت, إضافة لذلك فإن 94% يعتقدون أن عدد الوفيات تزايدت ( 82%)  او ربما تزايدت(12%).وبالحديث عن سبب هذا التزايد، يرجع 37% منهم ذلك لحضور فعاليات ودعوات وتجمعات خلال الأيام الأخيرة من رمضان وايام العيد، بينما يعزي 46% التزايد في اعداد الإصابات حينها، لعدم الالتزام بالاحترازات الصحية، ويرى 7% ان السبب في التزايد كان وجود وانتشار الفيروس.

أما انخفاض الاعداد خلال الفترة القريبة الماضية، فردودالمجتمع  تعكس فهما بان الأرقام لا تعطي دلالات واضحة لغير المختصين حيث قال 66% منهم أن لا دلالة لانخفاض الأرقام، فقد تتزايد الأرقام في أي وقت، بينما يرى 21% من الردود ان السبب في انحسار الاعداد يعود للالتزام بالاحترازات.

وفي ردودهم على سؤال عن إمكانية الالتزام بالاحتياطات الصحية في المحرم، مع وجود التوعية، في حال تم فتح المجالس، يرى 30% منهم انه لن يكون بالإمكان احكام تطبيق الاحترازات بسبب أجواء محرم النفسية والعاطفية وغيرها من أسباب، كما رأى 38% منهم ان ليس مضمونا هذا الالتزام، بمجموع 68% يرون أن لا ضمان لتطبيق الاحترازات، بينما رأى 30% منهم إمكانية الالتزام بالاحترازات.

وفي سؤال آخر عن اثر أجواء المحرم وخصوصيته، المتمثلة في عواطف الناس  في تفاعلهم معها، وتسببها في عدم التزامهم وتقيدهم بالاحترازات ، رأى 30% أن ذلك ممكن وبشكل واضح، و 23% راوا ان ذلك ممكنا جدا، و5% ردوا بإمكانية ذلك، و27%  بربما  بمجموع 84% يرجحون تاثر الناس بالاجواء وانها تسبب عدم التزامهم  وتقيدهم بالاحترازات.

وفي موضوع فتح المجالس باعداد محدودة فقط، راى 32% منهم أن هذا الوضع لن يحل المشكلة ، فالكثير من رواد المجالس سيتوافدون وفي حال أقفلت الأبواب ومنعهم من الدخول لاكتمال المجلس، ستتراكم الاعداد حول المجالس ويون محيط  هذه المجالس، أماكن للتجمعات الغير مشرف عليها. ورأى 19% منهم أن الوضع غير سليم، وستتزايد الاعداد مع مرور الأيام، بمجموع 51% بينما رأى 24% أن كل الأمور سليمة فباقفال الباب ينتهي الموضوع  بينما عبر 21% عن عدم معرفتهم بما سيحدث.

وفي خانة التوقعات، رأى 33% ان اعداد الإصابات ستزداد بعد فترة حضانة الفيروس، في حال تم فتح المجالس وإن صاحب فتحها الاحترازات، ويعزون السبب في ذلك  الازدياد  هو عدم التمكن بالالتزام الدقيق بالاحترازات ، ورأى 41% أن ربما ستزداد الاعداد، بمجموع 74% يرون ان الاعداد ربما استزداد،  بينما رأى 10% ان اعداد الإصابات لن تزداد، و 13% منهم يرون أن الاعداد ستنخفض.

وبسؤال مباشر عن حضور المجالس حضوريا اذا فتحت الأبواب لذلك، مع وجود الاحترازات، قال 26% انهم لن يحضروا لقناعتهم ان الالتزام بالاحترازات وسد الثغرات غير ممكن، وراى 15% عدم حضور المجالس بسبب إمكانية عدم التزام الناس بالاحترازات، ورأى 14% انهم لن يحضروا لتفادي أي مخاطرة حتى لو كان هناك تشدد في تطبيق الاحترازات وسد الثغرات بمجموع 55% لن يحضروا حتى مع وجود الاحتراوات، بينما رأى 18% انهم سيحضرون لان الاحترازات كافية، و 20% منهم قالوا انهم سيحضرون حتى مع وجود خطوط عريضة للاحترازات فقط، و3% سيحضرون في كل الأحوال بمجموع 42% سيحضرون.

وعند سؤالهم عن حضور المجالس، فهل ستحضر المجالس الافتراضية ام فقط ستحضر المجالس الحضورية، قال 56% منهم أنهم سيحضرون فقط المجالس الافتراضية عبر البث، بينما قال 3% انهم سيحضرون المجالس الحضورية فقط، و قال 34% انهم سيحضرون كليهما مع وجود الاحترازات والدقة في تطبيقها، بمعنى، أن هناك غالبية تفضل بل أن خيارها الوحيد هو حضور المجالس عبر البث.

وقبل يومين، وتزامنا مع عقد لقاء افتراضي، وجهت الدعوة فيه الى مجموعة طيبة من طلبة العلم والخطباء والقائمين على المآتم، والمهتمين بمختلف قناعاتهم الخاصة بإقامة مجالس المحرم، اصدر 24 من الأطباء الممارسين والمتخصصين في مجالات العدوى والاوبئة وصحة المجتمع، موقفهم الطبي المتمثل في

لكل هذا، نوصي بإحياء ذكرى عاشوراء بمراسم وأساليب تتفادى هذا الخطر المحدق، وتحفظ النفس المحترمة، كما يلي:

1. اقتصار المجالس الحسينية على البث عن بعد.
2. اقتصار المجالس الحسينية الحضورية على الكادر المعني بالبث والنقل، وبالعدد الأدنى مع الالتزام بكامل الاحترازات، المذكورة في بروتوكولات بيئة العمل.
3. إظهار معالم الشعيرة بوسائل بصرية وسمعية مؤثرةواستثمار هذه الضائقة في ابتكار طرق حديثة وغير تقليدية.
4. منع المضائف والاستعاضة عنها بالتوصيل إلى المنازل مع الالتزام الصارم باحترازات إعداد وتوصيل الأطعمة.
5. منع المواكب.

وبموازاة هذا البيان، يعمل المختصون على تجهيز بروتوكولات احترازية للمجالس سيتم نشرها قريبا وتوزيعها على كوادر المجالس، وسيعرضون إمكانية تدريب كوادر المجالس كمبادرة اجتماعية منهم للمساهمة في محاصرة هذا الوباء.

من جهة أخرى، وبشكل مستقل،  قام 21 من طلبة العلم وبينهم بعض الخطباء واثنين من الدكاترة العاملين في معامل الأوبئة، ، بنشر موقفهم المتمثل في

“وعليه فان المآتم التي تتوفر فيها شرائط السلامة الصحية والاحترازات الصادرة من الجهات الصحية والرسمية، والقدرة على تحقيقها ومتابعتها ، بإمكانها إقامة البرامج الحسينية بشكل خصوري،

أما المآتم الصغيرة او التي تفتقد لوسائل الاحترازات زالسلامة الصحية، فبامكانها ان تستبدل الاحياء الحضوري بالبث المباشر عبر وسائل التواصل المختلفة او التوقف بشكل مؤقت في هذا الموسم”

بالنظر لما جاء في الاستبانتين أعلاه، فموقف أبناء المجتمع يبدو واضحا من أنهم يرغبون في تبني البث المباشر كبديل لحضور المجالس. جاء ذلك في دعمهم للخطاب الموجه لطلبة العلم والخطباء وأصحاب المجالس، كما جاء أيضا في ردودهم على أسئلة الاستبانة الثانية لقناعاتهم بعدم إمكانية تنفيذ الاحترازات خلال المحرم. وجاء موقف الأطباء المختصين والممارسين لمهنة العلاج في عياداتهم لمرضى الكورونا مما يدل على معرفة قريبة منهم لهذا الوباء وخطورته، داعما ومتبنيا لتبني البث المباشر أساسا لاقامة المجالس في المحرم. وكلي ثقة في القائمين على هذا الموقف، أنه اتى بعد زيارات ميدانية من قبلهم لبعض المجالس والتعرف عن قرب للممارسات والثغرات، وأنهم شكلوا تصورا واقعيا اوصلهم لهذه القناعات، فهم يعيشون آلام المصابين كل يوم، ويعرفون أن للفيروس اسراره التي يصعب التنبوء بها.

اعتقد ان الوضع حرج، ويحتاج الى مزيد من الوعي من كل أبناء المجتمع، ف ” الاحتراز فيما لا يمكن تداركه أولى من الاحتراز فيما يمكن تداركه”، وتقديم الحفاظ على الأرواح والصحة مقدم في هذا الظرف الحرج. فيمكننا أن نحي المحرم بالبث الالكتروني، ونحافظ على الأرواح والصحة العامة، ونبعد إمكانية نشرالعدوى بسبب فتح المجالس للجمهور.

العقل والمنطق يدفعنا للتساؤل المركزي في احياء المحرم: الا يمكننا ان نقيم المجالس بالبث الالكتروني؟ ألا يمثل هذا احياء للمحرم؟ ونحن نراجع أراء الأكثرية من أبناء المجتمع، ورأي الأطباء المختصين والممارسين، سنجد أنهم يتبنون وبقوة هذا الاختيار. اليست ” أعقل الناس من جمع عقول الناس الى عقله” مقولة نفتخر بها وبمن قالها؟ وهذه العقول المتخصصة والناس التي عبرت عن مخاوفها ورغباتها، تقول ” فلنحي المحرم، بالبث الالكتروني أساسا للاحياء، حفاظا على الأرواح وسمعة المجالس والشعائر”. ففي هذا الاختيار حتمال العبور الى ما بعد محرم بدون ازدياد في الإصاباتبينما لا ضمانة لعدم زيادة الحالات في حال تبني فتح المجالس. فمن يضمن ذلك؟ ومن يتحمل مسؤولية تلك الزيادة؟  كلنا مسؤولون، ولنتصرف على هذا الأساس. فزيادة الاعداد بعد المحرم لها تبعات عدة. كلي ثقة أن أبناء المجتمع يتحلى بقدر كبير من الوعي، وقد عبرعن ذلك في ردروه في الاستبانات، بتبني البث الالكتروني خيارا لاقامة مجالس المحرم.

تعليقات