بعد سجالات هلال شوال.. الشيخ مشيخص: على من تطاول الاستغفار والاعتذار.. وهذه كلمتي للجميع


بواسطة : القطيف اليوم

تحدث قاضي الأوقاف والمواريث بمحافظة القطيف فضيلة الشيخ الدكتور عبد العظيم بن نصر مشيخص، عمّا تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي من تداعيات حول رؤية هلال عيد الفطر المبارك لعام 1441 هجرية في محافظتي القطيف والأحساء.

وقال “مشيخص” لـ«القطيف اليوم»: “أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمدًا يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلامًا على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد (ص) وعلى آله وأصحابه”.

وأضاف: “أولًا: بادئ ذي بدء أُبارك للعالميْن العربي والإسلامي، ولقيادتنا الرشيدة في المملكة، ولشعبنا السعودي، وأهلنا في محافظة القطيف حلول عيد الفطر السعيد والله أسأل ان يعيده على الجميع أعوامًا مديدة في خير وعافية”.

وتابع: “وثانيًا: أرفع عظيم التهاني لجميع الأهالي، من فطر منهم بحسب ثقته وطمأنينته بالآخرين، أو من صام بحسب بينته الشرعية، وإن شاء الله الكل مأجور في تشخيصه الفقهي وتكليفه الشرعي، ولكي أضع النقاط على الحروف فيما حدث من مساجلات على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب هذا الموضوع، أقول: فيما يتعلق برؤية هلال شوال أُشير إليها في نقاط سريعة على نحو الإجمال لا التفصيل”.

وأوضح أن النقطة الأولى هي “ينبغي علينا أن نتجنب المساجلات العقيمة التي تحدث بين الحين والآخر على شبكات التواصل الاجتماعي، مما يعكس حالة سلبية في مستوى وعينا وثقافتنا الدينية والأخلاقية، فينبغي على العاقل أن يناقش الأمور بعيدًا عن التحزب المرجعي والانتماء الاجتماعي والتحامل النفسي، فيجب أن نعلم جميعًا أن الإنسان مقيدٌ فيما يعتقده ويقولهُ وما يتلفظ به قال تعالى: {مَّا يَلفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (سورة ق آية 18)”.

واستطرد: “وعن محمد بن الحسن بإسناده عن أبي ذر، عن النبي (ص) في وصية له – قال: يا أبا ذر من ملك ما بين فخذيه وما بين لحييه دخل الجنة، قلت: وإنا لنؤاخذ بما تنطق به ألسنتنا؟ فقال: وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم، إنك لا تزال سالمًا ما سكت فإذا تكلمت كتب لك أو عليك، يا أبا ذر إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله عز وجل فيكتب بها رضوانه يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوي في جهنم ما بين السماء والأرض، يا أبا ذر، ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له، ويل له، ويل له، يا أبا ذر من صمت نجى، فعليك بالصمت، ولا تخرجن من فيك كذبة أبداً، قلت: يا رسول الله فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدًا؟ قال: الاستغفار وصلوات الخمس تغسل ذلك (الوسائل ج 12ص221 ح 4)”.

وأشار إلى أن النقطة الثانية هي “من قال إن الاختلاف في موضوع تثبيت الهلال أصبح مهزلة؟! أما تعلم أن الموضوع شرعي قبل أن يكون اجتماعيًا، والموضوعات الشرعية توكل لأهلها كسائر العلوم والفنون؟ أما تعلم أن موضوع الهلال في القول بثبوته من عدمه يترتب عليه أحكام شرعية في دائرة لا يعرفها إلا أهل التخصص فيها؟ إذن: موضوع الهلال ليس مهزلة كما تدعيه بل حكم شرعي لا يخوض فيه إلا أهله، ومن لطف ذهنه، واستقام فهمه، واستقر الأمر الشرعي له”. ونوه إلى أن “النقطة الثالثة أن تثبيت الهلال عند فقهاء المذاهب الإسلامية شرعي لا قضائي، فضلًا عن أن يكون اجتماعيًا، وهذا ما قام عليه إجماع الأمة، بمعنى أنه يجب أن يُبتنى على ما يُستند إليه من النصوص الشريفة وفتاوى الفقهاء ومبانيهم الفقهية عبر آليات الاستنباط الشرعي، ولكل مدرسة فقهية – في هذا الجانب – مبناها الفقهي الشرعي الذي تدين الله تعالى به، وأن الاختلاف بحسب المبنى الشرعي لكل مرجع، وهذا ما جعل تثبيت الهلال محل خلاف شرعي فقهي، وهذا أمر طبيعي جدًا وليس وليد الساعة أو اليوم، بل هو وليد زمان النص مع الفارق في زمان وجود الحاكم الشرعي النبي (ص) أو المعصوم (ع) آنذاك فهذا أمر آخر”.

ولفت إلى أنه: “كما أن – أيها الأحباب – الاختلاف بين الناس أمر حتمي لا مفر منه، فهو أمر موافق لطبع الإنسان وصفاته، ولذا تجده واقعًا في جميع العصور والأماكن على كثرتها وتنوعها، ولا أدل على ذلك من وقوعه في أشرف العصور وخيرها، وبين خيار الناس بعد الأنبياء (ع)، منذ ذاك الزمان وإلى يومنا هذا”.

وقال: “النقطة الرابعة: من قال لك إنّ المقلدين ضحية هذا الاختلاف؟ إذا كان الأمر هكذا لمجرد موضوع تثبيت هلال شرعي وتكليف إلهي، والكل فيما ذهب اليه من العلماء له دليله وحجته ومبانيه الشرعية، فإذن أنت أو أنتم أو نحن ضحية الإسلام والدين لأنهما وبحسب نظرية الغرب دمار العالم وتخريبه وتخلفه! أظنك قد ذهبت بها عريضة وأخذك الانفعال، فضلاً عن التفقه في الدين، والتمييز بين التفقه في الدين ومعرفته دون تفقه، وهذا لعمري السلبية التي تُعاني مِنها كثير من المجتمعات والأفراد في العالم الإسلامي، وليست ضحية اختلاف فقهاء أو وكلاء أو مشايخ في تثبيت هلال شرعي أملاه عليهم تكليفهم الشرعي فتأمل يرعاك الله”.

وأضاف: “النقطة الخامسة: نحن أيها الأحباب وبعد ما جرى نحتاج فعلًا إلى دراسة هذا الموضوع دراسة تامة ومتأنية ودقيقة، وهذه المسؤولية تضاف إلى مسؤولية إخوتي طلبة العلم والعلماء في المنطقة، لوضع آلية مقننة ومتقنة ومتخصصة من ذوي الاختصاص العلمي من العلماء الأعلام، وأؤكد على هذه المفردة: العلماء الأعلام، وأهل الاختصاص الفلكي وأهل الخبرة وهم ولله الحمد والمنة كثر في المنطقتين القطيف والأحساء، لتكوين رؤية موحدة شرعية يتفق عليها الجميع لقطع دابر أصحاب المشاريع التسقيطية في المجتمع الإسلامي وسد الباب أمام المتصيدين في الماء العكر، وضعاف النفوس الذين يبثون ثقافة التسقيط والتناحر المذهبي والمرجعي والوطني، والتي تنال من مقام الفقهاء والعلماء وطلبة العلم، وأرباب الثقافة والوعي”.

وتابع: “من هذا المنطلق الشرعي، والتكليف القضائي، أهيب بالإخوة الذين تطاولوا على الآخرين عن قصد أم بدون قصد، سيما التعرض أو التعريض بأعلام الفضلاء من العلماء أو الوكلاء، فضلًا عمن أفطر أو صام بناءً على تكليفه الشرعي المناط به بينه وبين ربه، أن يستغفروا ويعتذروا، فإن هذا من سمات أخلاق المؤمن، فإن أخذكم الحماس وتسبب وضعنا بسبب الجائحة بضيق في النفس، وتعكر في المزاج، وسرعة في الحكم، فليس ذلك عذرًا ولا مسوغًا للتعرض للعلماء الأعلام والفقهاء الكرام، ولا لأحد من الأنام، لكي لا يذهب ثواب شهركم وليلة قدركم، والسلام عليكم. قال تعالى:{فَبَشِّر عِبَادِ الَّذِينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ} (سورة الزمر آية 18)”.

واستطرد: “وقال تعالى: {إِنَّ اللّٰهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسٰانِ} ( سورة النحل آية90)، وعن الرضا، عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله (ص): من بهت مؤمنًا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله يوم القيامة على تل من نار حتى يخرج مما قال فيه (الوسائل، ج 12ص 280  باب البهتان على المؤمن)، وقال الشاعر: تنازع أسباب المروءة أهلها  * * *  وفي الصدر داء من جوى الغل كامن”.

واختتم حديثه قائلًا: “نسأل الله تعالى أن يغير حالنا إلى أحسن حال، وأن يجعلنا من أهل المروءة وحسن الخلق، وأن نتخلق بخلق أهل بيت نبيه (ع)، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا، وأن يوفقنا إلى سواء السبيل إنّه سميع مجيب”.

تعليقات