الأخلاق بين الخوف والقناعة
البعض يعتقد بأن الأخلاق تُبنى نتيجة للخوف، وهذا الاعتقاد نابع من ثقافة مجتمعية قديمة؛ كتربية الأسرة القائمة على تخويف الأولاد من عقاب الأب أو من عقاب الله سبحانه وتعالى، أو الخوف من عصا المعلم في المدرسة.
قد تبرز أخلاقيات وقتية مرتبطة بالحدث، كالـتوقف عن الـتدخين احترامًا لـلـوالـدين، وما إن يصبح لـوحده يدخن، أو الموظف في العمل يُنجز عمله أو لا يتغيب أو يتأخر عن عمله خوفًا من عقوبة الخصم من مدير الإدارة، وعلى ذلك فقِس. بل وأكثر من ذلك، هناك من يقيم الصلاة خوفًا من العقوبة لا قناعة بها، حتى إن البعض يغلق عليه باب الغرفة بحجة الصلاة لكنه لا يصلي إلا خوفًا من سوء التربية.
نعم، لا يمكن إنكار أن الخوف قد يكون في مراحل معينة، خاصة الطفولة المبكرة، وسيلة لضبط السلوك، لكنه لا يكفي لتأسيس أخلاق راسخة تدوم مع مرور الزمن، ولا يغرس القيم بشكل دائم في النفس.
وعلـى الخلاف من ذلـك، لـو استُبدلـت الـتخويفات والـعقوبات بالمكافآت، فلـو تربى الـطفل منذ صغره على ترسيخ الأخلاق بالتربية على الحب «مثال ذلك: إذا عملت هذا الأمر سيحبك والـدك» أو استُبدل الخوف من الله جل وعلا بفهم رحمته التي وسعت كل شيء، فلو قلنا: ” من عمل خلاف الأخلاق سيُحرم من رحمة الله“، لكان ذلك أوقع في النفس وأبقى أثرًا، وكذلـك الأمر مع المعلم وتلاميذه.
ومما يعزز هذا النهج أن الثناء على السلوك الحسن والمكافأة عند الالتزام تُرسّخ الـقيم أكثر من الـتخويف، سواء في الـسلـوك الـيومي أو في أداء الـعبادات، فينشأ الـطفل صادقًا في العلن والخفاء، ويستمر على المبادئ بقناعة وليس خوفًا. وقد يختلط الأمر لدى البعض بين الخوف من العقاب والخوف من التقصير أو عدم بلـوغ مرتبة متقدمة. فالأول هـو الخوف السلبي الـذي تمت مناقشته، أما الثاني فهو ليس خوفًا بالمعنى الضار، بل هو أقرب إلى القلق الإيجابي الذي يدفع الإنسان إلى الاستعداد والاجتهاد، مثل قلق الطالب قبل الامتحان، أو قلق الموظف الحريص على تطوير أدائه. إذًا، الأخلاق لا تُبنى نتيجة للخوف وحده، إنما تأتي نتيجة وعي، حيث تكون تلك الأخلاق مترسخة في النفوس ويمارسها الـفرد بقناعة. إن الـتربية بالخوف المفرط قد تُنتج شخصية منافقة تمارس الكذب وتزييف الحقائق، وكذلك في بيئة العمل؛ فالخوف وحده لا يصنع موظفًا مخلصًا في عمله.
الأخلاق الحقيقية هي التي يمارسها الفرد في الخفاء كما في العلن، لا خوفًا من العقاب، بل إيمانًا بقيمها وأثرها، وبالتزام نابع من وعي داخلي وحب للخير.

تعليقات
إرسال تعليق