ثقافة الحاجة والعطاء واحترام الانسان


ثقافة الحاجة والعطاء واحترام الانسان

الصدقة افضل من عدمها والكلمة الطيبة والدعاء للفقير بالغنى (الله يغنيك) والستر عليه بما لا يجعله محل إهانة خير من صدقة تؤذيه بالقول او فضحه وتسقيطه بين الناس، وقد يكون معنى المغفرة هو العفو والصفح عنه اذا صدر منه كلاما سيئا،

هذا ما تختصره هذه الاية بمعانيها العظيمة: ﴿ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾

وربما تذهب بعض الآراء الى ان سد حاجته وان لحقه بعض الأذى خير من تركه محتاجا وقد يكون ذلك صحيحا خصوصا مع المجاعات او الحاجات الشديدة لكن الاية بصدد بيان الأفضلية بالنسبة للحالات الاجتماعية المعتادة، واما في حالات المجاعات فانها لا تعتبر صدقة تطوعية وانما وجوب انقاذ النفس وهذه لا يلاحظ فيها الا حالة واحدة وهو انقاذ النفس المحترمة، ومثلها انقاذ غريق او حريق فانه لا يلاحظ فيها عقلا الا حفظ تلك الروح.

الصدقة عطاء وهي من الكرم وهي صفة محمودة فالنفس اذا جُبلت على حب الخير او تربت عليه او تعويد الانسان نفسه على البذل فتصبح ملكة راسخة بالنفس بعد التكرار والاستمرار فتنعكس مباشرة على انفعالاته النفسية حيث لا يمكن للإنسان ان يرى محتاجا فلا يقضي حاجته سواء بالمال او المساعدة او التوجيه اليها فحُفر الشوارع المؤذية والتي قد تسبب اضرارا بالغة للمارة فان كان النظام البلدي يسمح باصلاحها فليكن والا فليخبر المسؤولين عن ذلك لاجل القيام بواجبهم، 

قد يلزم ببعض العطاء الرياء او يلحقه الإهانة او التعالي على الاخرين بعطائه فهذا مذموم، وكذلك اذا كان اسرافا او تبذيرا او تقديمه لغير اهله كما اذا اعطي لمن يستعمله في المعاصي او بذل كل ماله صدقات بينما اهله واسرته بحاجة اليه.

ولابد ان نفرق بين بطلان اصل العمل وبين طروء ما يبطله وان كان في الأصل صحيحا ففي الاية التالية " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ " فرّق بين بطلان اصل العمل بالرياء والسمعة وان كانت صورته حسنة، وبين كون اصله جيدا لكنه لحقه القبح بالمن والاذى .

وفي صورة أخرى لمعنى المغفرة بمعنى التسامح وغفران هفوات المحتاج حينما تلّح عليه الحاجة وتجبره على رد الصدقة لكونها قليلة فيعود ويلح ويعتذر منه المعطي فلا يقبل منه وهو سلوك غير جيد من الفقير (لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) وان اشتدت به الحاجة فقد لا يكون لدى المعطي اكثر مما قدم وقد يكون في زيادة الالحاح ما يصدر من المعطي كلاما غير مرضي بل نجد القرآن يمدح سلوك العفة ( يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ۚ)،

وهذا ما يدعونا الى ان نتحسس حاجة المتعففين ممن لا يسجلون في الجمعيات الخيرية خوفا على ماء وجوههم واسرهم وعشيرتهم ولا يطلبون من الناس وقد يتعرف المقربون منهم على ذلك صدفة او لامر كشف ذلك فلا يُتركوا دون عناية وتوفير حاجاتهم وان امكن بسرية دون ان يعرفوا مصدر المعطي فهو خير واطيب.


تعليقات