( الامام علي بن أبي طالب عليه السلام في مختصر سيرته ) / م. علي بن حسن الخنيزي

 

( الامام علي بن أبي طالب عليه السلام في مختصر سيرته )

لايستطيع العقل ُفي إظهار معالمه ، فلا يعلم من أيّ ناحية يبدأ . فكل طريق ٍيسيرُ فيه لا يجد له نهاية . 

شخصيّة قد ألهمت المفكّرين ونهلوا منها معالمَ لاحدود لها .

الامام علي عليه السلام قد صحب الرّسّول صلى الله عليه واله ولازمه من صغره وكان موحداً يعبدُ الله على دين التوحيد ، وهو دين الاسلام.

كانت علاقته مع سيد المرسلين منذ ولادته في حرم الله ، وكان يقول عليه السلام : كنت أتّبعه اتّباع الفصيل اثر أمّه.

امتاز الامام علي عليه السلام بخصائص لم يتميّز بها غيره وعلى على سبيل المثال  لا الحصر    : شجاعته، 

كان اشجع الناس بعد رسول الله في نشر راية الاسلام ،وقد أكّد رسول الله صَلِّى الله عليه واله بقوله: قام الاسلام على سيف علي ومال خديجة. وقال في محضرٍ آخر في غزوة الأحزاب عندما برز اليه عمرو بن عبد ود العامري وكان يُعدّ بالف فارس .فقال الرسول الاكرم صلى الله عليه واله : برز الايمان كله الى الشرك كلّه  وقال فيه  بعدما جدّله : ضربة علي لعمرو تعادل اعمال الثقلين الى يوم القيامة . 

وقد رثته اخته عمرة بنت عبد ود :

لوكان قاتل عمرو غير قاتله --- بكيته ما أقام الرُّوح في جسدي 

لكنّ قاتله من لا يُعاب به --- وكان يُدعى قديماً بيضة البلد .

ومن شجاعته، مبيته في فراش الرسول صلى الله عليه واله ،وقد انزل الله في حقّه : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة  الله . ومنها ايضاً خروجه ( هجرته) من مكّة مع الفاطميّات ليلتحق برسول الله في المدينة في وضح النّهار ولم يتجرّأ أحد  من كفار قريش بان يتقدم أمامه .

حتى وصل الى أطراف المدينة حيث كان الرسول صَلَّى الله عليه واله في انتظاره ليعلّم الناس انّه صنوه وخليفته من بعده ، وليدخل المدينة معه . وأيضاً  مشاركته في كُلِّ غزوات الرسول ( ماعدا غزوة تبوك لأمرٍ أهمّ عند الله ورسوله ) والتي كان لها الأثر في نصرة  المسلمين وفتح ما استصعب  فتحه من حصون مثل حصن خَيْبَر حيث جزّر أبطالهم وقد بقيت تلك الاحقاد البدرية والأحديّة والحنينية الى يومنا هذا مع الاسف مصرّة على مقته ومقت محبيه .

ولو تكلمنا عن علمه، نجد  علمه بعد رسول الله (وهو نفسه كما انزل الله فيه في سورة المباهلة) قد وصل الى فوق علم المخلوق  ودون علم الخالق ولذلك لم ولن نجد أحداً يقول مثلما قال : سلوني قبل ان تفقدوني . وقوله: (لو استقامت لي الأمة وثنيت لي الوسادة، لحكمت في أهل التوراة والإنجيل بما أنزل الله فيهما حتى يزهرا إلى السماء، وإني قد حكمت في أهل القرآن بما أنزل الله فيه) 

.ذلك العلم لم يأت صدفة بل كان منذ نعومة أظافره حيث كان يلازم  الرسول (ص) في غار حراء لعبادة الله وعندما بُعث الرسول الأعظم (ص) وبلّغ الله رسالته لنبيّة كان الامام علي عليه السلام يشعر بحيثيات الوحي وكان الرسول (ص) يعلّمه ويفصل له معالم الدين والعلم . واستمرّ أمير المؤمنين ينهل من ذلك العلم المحمّدي والذي علمّ الله به رسوله عن طريق الوحي اضافة الى العلم اللّدٌنّي حتى اخر ايام حياته حيث قال امام المُتَّقِين علمني رسول الله الف باب من العلم، يُفتحُ لي من كُلِّ باب ألف باب . فأيّ عقل هذا يستطيع ان يحمل ذلك العلم و قال رسول الله صَلَّى الله عليه واله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فاليأتها  من بابها . وقال : أعلمكم علي . اقضاكم علي وغيره .

هناك لفتة مهمّة وهي أنّ كثيراً من الآيات القرأنيّة نزلت في اهل بيت العصمة توضِّح اعلميّتهم مثل اية :

ما يعلم تأويله الا الله والرّاسخون في العلم :

يقول الامام الصَّادق عليه السلام ؛نحن الرّاسخون في العلم ونحن نعرف تأويله .

وقوله تعالى : قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب . نزلت فيه بعد رسول الله (ص) والأئمة من ولده عليهم السلام .وهم من يعرف الظّواهر القرإنيّة والاحاطة بمعالم القرآن الكريم  وكلّ كتب الأديان السّماويّة .

وكان عليه السلام يأخذ حديث النبي ويجعله  في مجال التطبيق لحرصه على نشر الدين الصحيح لدرجة انّه كان يتصدّق عندما  نزلت أية النّجوى حتى يأخذ من علم الرّسول صلى الله عليه وآله .

وقد أشرق ذلك العلم في فصاحته ويكفي فخراً كتاب نهج البلاغة وَالَّذِي جمعه الشّريف الرّضي من كلام أمير المؤمنين عليه السلام من خطب وحكم ومواعظ وحكم ووصايا وآداب وعهود .

وفي عبادته ، كان يقول : الهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنّتك ولكنّني وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك .. وهي عبادة الشكر لله وهو المنعم والعظيم الذّي يستحق العبادة وهي عبادةً الأحرار الذّين يعرفون الله حقيقةً معرفيّةً . 

كان الامام زين العابدين عليه السّلام يقول لابنه الامام الباقرعليه السلام : ناولني صحيفة أعمال جدّي أمير المؤمنين حتى أتأسى به، فيؤتى إليه بصحيفة أعمال أمير المؤمنين فيبكي زينُ العابدين وهو زين العابدين وسيّد السّاجدين يبكي ويتألم ويقول: من يقدر على عبادتك يا أمير المؤمنين؟ . الامام زين العابدين (ع) يصف عظمة هذه العبادة ، ومن يستطيع أنْ يصل إلى عبادة أمير المؤمنين: من يقدر على عبادتك يا أمير المؤمنين؟

عبادة خالطت لحمَه ودمَه وخالطت رزقه وخالطت أعمالَه وخالطت أفعالَه، وتجلى عليٌ بذلك مظهرًا وأعلى مصداقًا من مصاديق العبادة لله عزّ وجلّ، ومن يقدر على عبادتك يا أمير المؤمنين؟ تلك العبادة التي كان يُغشى عليه اذا قام للصّلاة وتتملّك فيه الجوانب الرّوحانيّة الإلهية فلا يشعر الا بالله سبحانه . 

ولذلك كانوا يستخرجون النبال والسّهام من بدنه اثناء الصَّلاة لأنّه يكون بعيداً عن مادّيات الحياة ولا يشعر بشي . ولذلك عمد ابن ملجم لعنه الله في ضرب هامة أمير المؤمنين عليه السلام اثناء الصَّلاة لمعرفتهم بانشغاله العميق في عبادة الله .

أمّا عن زهده عليه السّلام فحدّث ولا حرج فكان ازهد النَّاس عليه السلام واقلّ تعلّق بالدّنيا وفي بعض مواقفه عندما يُرخي الليل سدوله، وتُغِير  نجومه، يقف في محرابه ، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول:

يا دنيا، غرّي غيري، إليَّ تعرّضتِ؟ أم إليَّ تشوّقتِ هيهات هيهات، قد طلّقتكِ ثلاثاً، لا رجعة لي فيها، فعمركِ قصير، وخطركِ كبير، وعيشكِ حقير، آه آه من قلّة الزاد، وبُعد السفر، ووحشة الطريق.

وقد كان يلبس خشن الملبس والمأكل ويأكل كسرات الخبز بادام الملح والزِيت وهو خليفة المسلمين حتى يتساوى مع أفقر الناس ولم يكن يرضى بأن يُوضع له إدامان في وقت واحد بأبي هو وأميّ عليه السلام .

أمّا في إدارته لشؤون الدّولة والرّعية، فكان يعمل بما عَلَّمَه رسول الله وأوصاه ليكوّن دولة اسلاميًة منبعها كتاب الله وسنّة رسوله . فالامام علي عليه السلام اشتغل بعدة حروب كانت مفروضة عليه إلٌّا أنه وضع أسس إدارة الدّولة وشؤونها في جميع الأمصار ويكفينا وصاياه لمالك الأشتر عندما عيّنه والياً على مصر ومن قوله :

واشْعر قلبكَ الرٌحمة للرّعية، والمحبّة لهم، واللّطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سَبُعاً ضارياً، تغتنمُ اكلهُم ، فإنّهمْ صنْفان ِ: امّاً أخٌ لَكَ في الدّين ، وإمَّا نظير لَكَ في الخلق .

ومقولته عليه السلام: الناس صنفان: امّاً اخ لك في الدّين، وإمَّا نظير لك في الخلق، اعتمدها المستشارون القانونيّون للأمم المتّحدة كمصدر للتّشريع القانوني للأمم المتّحدة ...

حيث أصدرت هيئة الامم المتّحدة سنة ٢٠٠٢م تقريرا خاصاً بحقوق الانسان وتحسين المعيشة والتعليم والبيئة واحترام حقوق الانسان بمختلف طوائفهم وتأسيس دولة يشملها العدل والتّسامح واحترام حريّة الاخرين. وهذا بالطبع كان يمثّل منهجيّة أمير المؤمنين في السّياسة وإدارة البلاد ... 

كيف لا وهو علي بن ابي طالب

وهو من تربّى في كنف سيّد المرسلين وغدّاه بالايمان ومعرفة الله عزّ وجل 

سلام الله عليك يا امير المؤمنين . سلام الله عليك يامن لم يعرفه احد سوى الله ورسوله .  

من حديث رسول الله صلى الله عليه واله :   يا علي لا يعرف الله إلا أنا وأنت ولا يعرفني إلا الله و أنت ولا يعرفك إلا الله وأنا.

ونختم حديثنا هذا بمقولة لأمير المؤمنين عليه السّلام:

الهي كفى بي عزاً 

ان اكون لك عبداً 

و كفى بي فخرا ً

ان تكون لي رباً

انت كما احب فاجعلني كما تحب.

     بقلمي ( علي حسن الخنيزي)


تعليقات