السيد فاضل آل درويش / آيلة للسقوط

 



يتبادر إلى الأذهان صورة فقدان الأبناء لوالديهما حالة اليتم و الحرمان من تربيتهما و عاطفتهما و إحاطتهم بالحب و الإرشاد و الاهتمام و الرعاية ، و بلا شك أنها الصورة الأبرز و الأوضح و لكن هناك ما هو مثلها بل أعظم و أدهى منها ، و هي حالة فقد الأبناء لرعاية والديهما و هما على قيد الحياة ، و ذلك أن اليتيم يواجه حقيقة حرمانه من حنان و تربية والديه الراحلين و عليه أن يشق طريقه في تحقيق ذاته و أهدافه و بلورة شخصيته بما يمتلكه من قدرات و مواهب ، مع اعتقادنا أن لكل ضعف لطفا بمعنى أن الله تعالى يسخر لذلك اليتيم من يأخذ بيده أو يودع في داخله قوة في مواجهة التحديات و الصعاب ، و ما نسلط الضوء عليه هي حالات الضياع و الوجع الساكنة بين جدران بيوت قد تخلى الوالدان عن مسئولية تربية أولادهم ، مما جعل الأبناء عرضة لسهام الغزو الفكري و السلوكي الذي تعج به وسائل التواصل الاجتماعي ، و لا نبالغ إن قلنا أن بعض الآباء و الأمهات لا يعرفون شخصيات أبنائهم لأنهم ببساطة لما يحاولوا أن يتقربوا منهم أو يتحدثوا معهم ، مبدين أعذارا واهية كالانشغال بتوفير مستلزمات الحياة الضرورية لأبنائهم ، و كأن التربية و المتابعة أمر ترفي لا يستحق الالتفات له !!

لا ينكر أحد منا وجود متغيرات و عوامل تضيف من الأعباء على كاهل الوالدين الشيء الكثير بما يعقد المشهد الحياتي أكثر من السابق ، و لكن هذا لا يعني بقاء المحيط الأسري بلا أب يقود مسيرته و يهتم بأفراده و يقضي معهم شطرا من وقته للاستماع لهم و مشاركتهم همومهم و مساعدتهم على تفهم طبيعة المشاكل و العقبات التي يواجهونها و كيفية معالجتها و تجاوزها ، الأب قيم على أسرته بمعنى يدير شئونهم وفق مبدأ الحكمة و هدوء النفس و امتصاص الغضب الناجم عن الظروف القاهرة ، فهو كربان السفينة يقودها وسط الأمواج المتلاطمة من المصائب و العراقيل ، و متى ما تخلى الأب عن هذا الدور فقد حكم على أسرته بفقدان الاستقرار و جعلها عرضة لشتى ألوان التيهان و السقوط ، و هذا الأمر لا مبالغة فيه فالأبوة مسئولية و عمل و تخطيط و متابعة و تشجيع و ليس مجرد مصرف مالي يوفر مستلزمات البيت .
و كذلك بالنسبة للأم و هي قطب الرحى و تلعب دورا محوريا بعاطفتها الحانية لتجنيب الأبناء تبعات اليوم الدراسي المرهق ، فالأم ملجأ يلوذ به أبناؤها و يستلهمون منه القوة و الإرادة و الصلابة في تحقيق تطلعاتهم و طموحاتهم ، و متى ما تخلت عن هذه المسئولية و انشغلت بكل شيء ما عدا تربية و توجيه أبنائها فإنها تجني عليهم ، فالتطلع لرؤية أبناء واثقين من أنفسهم و ناجحين في حياتهم المدرسية و الوظيفية و الأسرية مستقبلا يعتمد على ما يمده به آباؤهم و أمهاتهم من توجيه و تربية و تعليم .

الجو الأسري المستقر و الذي يخلو من صخب الخلافات و صراخ المشاحنات مطلب مهم لتربية واعدة و سلامة نفسية ، و مهما كانت تلك النقاط الخلافية أو سوء الفهم بين الزوجين فإن المشاجرة لا تغير من واقعها شيئا بل تدخلهم في دوامة من المشاكل و تشبكها بشكل يصعب الخروج منها بعد ذلك ، بينما ضبط النفس و التعامل بهدوء و حوار و تبادل الآراء و استماع الآخر يمكنهما الوصول إلى حلول مرضية و ممكنة ، كما أنهما حينئذ يحافظان على علاقتهما و مشاعرهما من أي تدهور ، و إذا كانت علاقتهما قائمة على التفاهم و الثقة المتبادلة فإنهما يقدمان القدوة الحسنة لأبنائهم و يتعاونان في تربيتهما و حل مشاكلهم و إرشادهم .

المستجدات في حياة أفراد الأسرة ينبغي أن تكون في موضع اهتمام و متابعة الوالدين ، و خصوصا على مستوى دخول وسائل التواصل الاجتماعي و الانكباب عليها لدرجة أن كل واحد منهم يعيش عالما مغلقا لوحده ، و هذا بالتأكيد يضعف علاقة كل واحد ببقية إخوته ، فليس عنده من الوقت للجلوس معهم و تبادل الأحاديث و التخفيف عمن يعاني منهم من مشكلة ، لا ننكر أهمية وسائل التواصل و وجود تأثير إيجابي من الناحية المعلوماتية و الترفيهية و الاجتماعية ، و لكن التمادي في استعمالها يقلب المشهد و يحولها إلى معول هدم و مضيعة للوقت ، و هنا ينبغي للوالدين إرشاد الأبناء و متابعتهم من خلال تقسيم الأوقات بين أداء الواجبات المدرسية و النشاطات الرياضية و اللقاءات الاجتماعية .

تعليقات