سراج ابو السعود -اراء سعودية
الحقد له معانٍ كثيرة تتفق في معظمها على شعور داخلي يدفع للانتقام ومشاعر مزمنة من الغل والضغينة والنقمة المستمرة.
«الغزالي» يبرر سبب الحقد بقوله: إن من آذاه شخص بسبب من الأسباب وخالفه في غرضه بوجه من الوجوه، أبغضه قلبه وغضب عليه ورسَّخ في قلبه الحقد عليه، والحقد يقتضي التشفي والانتقام، وقد يحدث الحقد بسبب خبث النفس وشحها بالخير لِعِبادِ الله.
يرتكب الإنسان الأخطاء بشكل متعمد أحيانا وسهوا في أحيانٍ أكثر، ثمَّةَ مَن يحسن التغاضي عن الخطأ، أو لنقل التسامح والنسيان، وثمة من يجتر دائما أخطاء الآخرين ويتذكرها باستمرار ليتلوها على مسامعهم أو مسامع غيرهم، هكذا يمكن لعقل الحاقد أن يشاطر أينشتاين في تذكره للكثير من المعادلات الفيزيائية، بتذكره لآلاف القصص والأحداث المتضمنة لمثالب الآخرين وبطريقة برقية مذهلة، في حين ينسى أو يتناسى كل فعل حسن قد فعلوه.
جزء من المشكلة يعود -كما أعتقد- للعقل النرجسي وعقدة «الأنا» المستحكمة في النفس، فالعقل النرجسي يحسن أكثر ما يحسن لغة التعالي على الآخرين، هذا التعالي يتمظهر إما بالتقليل المستمر من شأن كل أحد بتلاوة مثالبه وتذكير الجميع بها، أو من خلال الاستطراد في ذكر مآثره الشخصية وإنجازاته التي لا يضاهيها شيء برأيه، هذه الصفات تجعل الحاقد يعيش حالة من عدم الراحة والرغبة الدائمة في الجدل الذي نتيجته التقليل من شأن كل أحد، هكذا ورد في الأثر «أقل الناس راحة الحقود» وحالما تجد حاقدا يبتسم في وجهك فاعلم في الغالب أن قلبا حالكا من السواد هو ذلك المكين في صدره.
«أولئك الذين قضوا قتلهم الحقد» هكذا عبَّر سجين بعد قرابة العشرين عاما من سجنه النائي النتن في إحدى بلاد الغرب عن سبب فقدانه لرفاقه الواحد تلو الآخر، انخفض طوله عدة سنتيمترات بعد احتداب ظهره، وشارك في دفن رفقائه إلا القليل ممن بقي، وكان يرى قبرا باسمه كلما وجد نور القمر، وحينما رأى الحرية رأى بموازاتها أن أكثر سبب للموت والتعاسة هو الحقد، ذلك الحقد الذي يدفعه لتكرار الجزع مما هو فيه، ذلك الشعور المستحكم في النفس الممتلئ بمشاعر الكراهية لكل شيء.
يعاكسه على النقيض ذلك العقل المحب للآخرين، المتسامح مع كل أحد، المتفائل بالخير والرائي لنفسه السعادة في كل ما يجري من حوله.
تعليقات
إرسال تعليق